عودة العلاقات الصينيه السعوديه ...كتبت دكتور /رضوي الشاذلي

الجمعة 09/12/2022
أن دلالة اختيار رئيس الصين للسعودية لتكون أول محطة خارجية له في السنة الجديدة لا تقل عن دلالة اختيار العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، الصين لتكون أول دولة يزورها بعد أن أصبح ملكا للسعودية. جاءت زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة هذه المرة في ظروف مستجدة على العلاقات الثنائية الصينية السعودية، وعلى الوضع الدولي بشكل عام. 


فعلى الصعيد الثنائي، شهدت العلاقات بين البلدين منذ زيارة الملك عبد الله للصين في  شهر يناير سنة 2006  تطورا غير مسبوق، كان من أبرز معالمه: 
زيارات رفيعة المستوى، ارتفاع حجم التبادل الاقتصادي، كثافة التبادل الثقافي والتعليمي والإنساني وتعزيز التنسيق في القضايا الإقليمة والدولية. 
وعلى المستوى الدولي، يمر العالم بأزمة مالية هي الأسوأ منذ الكساد الاقتصادي الكبير في ثلاثينات القرن الماضي، ويعتقد كثير من المحللين أن الصين والسعودية لهما دور فاعل في جهود تجاوز هذه الأزمة، لاعتبارات تتعلق بالوضع الاقتصادي لكل منها
بدايات التواصل
كان أول اتصال بين الصين الجديدة والمملكة العربية السعودية في مؤتمر باندونغ لدول عدم الإنحياز سنة 1955، عندما التقى رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك شو ان لاي مع الأمير فيصل بن عبد العزيز، ولي عهد ووزير خارجية السعودية في ذلك الوقت. 
كان مدخل اللقاء هو ترتيب إجراءات دخول الصينيين المسلمين إلى المملكة لأداء فريضة الحج بعد أن منعت السعودية دخول الصينيين إلى أراضيها عقب تولي الحزب الشوعي الصيني السلطة في الصين.
 بعد هذا اللقاء، سمحت السعودية للحجاج الصينيين بزيارة الأماكن المقدسة.
في سنة 1985 ترأس وفد الحج الصيني مسؤول صيني مسلم، هو الرئيس الأسبق لمنطقة نينغشيا الذاتية الحكم خه بو لي، واستقبله مسؤولون سعوديون. ولعل هذه الزيارة كانت نقطة تحول مهمة في نظرة القيادة السعودية لوضع المسلمين في الصين، فالسيد خه بو لي كان بدرجة وزير، وشرح للمسؤولين في المملكة السياسات الصينية الجديدة، وبخاصة فيما يتعلق بحرية العقيدة، بعد انتهاج الصين سياسة الإصلاح والإنفتاح.
وقد جعلت التغيرات الدولية في نهاية ثمانينات القرن الماضي السعودية والصين يتحركان بقوة نحو تأسيس العلاقات الدبلوماسية، وبالفعل وقع البلدان مذكرات لتبادل التمثيل التجاري في نوفمبر سنة 1988، وفي يوليو سنة 1990، أعلن البلدان إقامة العلاقات الدبلوماسية، وفي إبريل 1993، فتحت الصين قنصلية في مدينة جدة السعودية وفي إبريل 1998، وافقت الصين أن تفتح السعودية قنصلية عامة في هونغ كونغ.
ومن الملاحظ أن الصين كانت مهتمة للغاية، منذ البداية، بدفع العلاقات مع السعودية، فبعد سنة واحدة من تأسيس العلاقات الدبلوماسية، قام رئيس مجلس الدولة الصيني الأسبق لي بنغ، بزيارة إلى المملكة، في يوليو 1991. 
في حين كانت زيارة ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى بكين في أكتوبر 1998 هي أول زيارة سعودية على المستوى القيادي إلى الصين. 
وفي سنة 1999 قام الرئيس الصيني السابق جيانغ تسه مين بزيارة إلى المملكة شهدت توقيع عدد كبير من الاتفاقات بين البلدين في مجالات مختلفة.
وقد دشنت زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الصين في أكتوبر 2006 مرحلة جديدة في علاقات البلدين، وهي مرحلة مازالت مستمرة، تتوسع وتتعمق خلالها العلاقات.
ليس نفطا فقط  
يُرجع العديد من المحللين تنامي العلاقات الصينية السعودية إلى العنصر النفطي، فالصين ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم، وتستورد أكثر من ثلث احتياجاتها النفطية من الخارج، والسعودية ليست فقط أكبر مصدر للنفط في العالم وإنما أيضا لديها أكبر احتياطي من الوقود الأحفوري. 
ومراجعة أرقام التبادل التجاري بين الصين والسعودية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سنة 1990 تكشف عن زيادة حجم التبادل 19 مرة حتى سنة 2008، وهي زيادة ترجع بالأساس إلى ارتفاع الصادرات السعودية النفطية إلى الصين، وزيادة الصادرات السلعية الصينية إلى السعودية إلى حد ما؛  فبين عامي 2002 و2004، سجّلت الصين، مقارنةً مع باقي دول العالم، أعلى معدّل نمو في قيمة صادراتها إلى المملكة (160%)، وبين عامي 2006 و2008، زادت قيمة الصادرات الصينية إلى المملكة بمعدّل سنوي قدره 39%، بينما زادت قيمة الصادرات السعودية إلى الصين بمعدّل سنوي قدره 76%. وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 25 مليار دولار أمريكي سنة 2007، إلى41,8 مليار دولار أمريكي سنة 2008. هذه الزيادة قد تُعزى في جزء منها إلى زيادة صادرات النفط السعودي الخام إلى الصين في تلك السنة بنحو 40% حيث بلغت 36 مليون طن من النفط الخام، مثلت خُمس النفط الذي استوردته الصين من الخارج في سنة 2008.
 ولا شك أن ذلك عوض السعودية عن تراجع إمداداتها لشركات النفط العالمية وللولايات المتحدة بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار النفط في النصف الثاني من العام الماضي والأزمة المالية العالمية. وحافظت السعودية في سنة 2008 على وضعها كأكبر شريك تجاري للصين في غربي آسيا وأفريقيا لمدة ثماني سنوات متتالية، بل إن السعودية مع الأقطار الخمسة الأخرى أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تعتبر ثامن أكبر شريك تجاري للصين في العالم، بحجم تبادل تجاري بلغ السنة الماضية 79,3 مليار دولار أمريكي، مقارنة مع 58 مليار دولار سنة 2007. ويسعى الطرفان- الصين ومجلس التعاون الخليجي للتوصل إلى اتفاق منطقة التجارة الحرة بينهما، التي ستدفع حجم التبادل الاقتصادي بين الطرفين بصورة كبيرة.
غير أن النفط، وإن كان يمثل ركنا هاما في العلاقات الاقتصادية الصينية  السعودية، ليس كل ما يربط البلدين، فهناك أوجه أخرى لتلك العلاقات ومنها الاسثمارات المشتركة في مجالات عديدة، فالسعودية بها 62 شكة صينية مسجلة يعمل بها 22 ألف فرد، منهم نحو 16 ألف صيني، ويجري العمل بالمملكة في أكثر من مائة مشروع صيني سعودي مشترك باستثمارات تزيد عن سبعة مليارات دولار أمريكي.
وخلال زيارة الرئيس هو جين تاو للسعودية الشهر الماضي وقع البلدان أربع اتفاقيات في  مجالات الصحة والتجارة والثقافة والطاقة، ومنها اتفاقية تنفيذ مشروع شبكة سكة حديد تربط بين المشاعر المقدسة في المملكة، مكة ومنى وعرفات والمزدلفة، بتكلفة 1,78 مليار دولار أمريكي ويستغرق تنفيذه عامين، وستكون قدرة النقل له خلال موسم الحج أربعة ملايين فرد. 
هذا المشروع سوف ييسر كثيرا تنقل ملايين الحجاج حيث ستبلغ سرعة القطار 360 كم في الساعة، مما يعني نقل الحجاج من مكة إلى المدينة في نصف ساعة فقط.
لقد وفر هذا التعاون الاقتصادي سياجا قويا لتطوير علاقات البلدين السياسة والأمنية والثقافية، لاعتبارات تتعلق بمصالح كل منهما، فالبلدان معنيان بالأمن في البحر الأحمر، وخاصة مع تزايد عمليات القرصنة على السواحل الصومالية وفي خليج عدن مؤخرا والتي كان من نتيجتها اختطاف سفينة نفط سعودية وسفينة تجارية صينية، وهو ما دعا الصين إلى إرسال قطع من أسطولها إلى المنطقة لتأمين مرور بواخرها.
 ولا شك أن هذا يقتضي مزيدا من الترتيبات الأمنية بين البلدين، وهي ترتيبات تمتد إلى مكافحة الجريمة الدولية المنظمة والإرهاب والأعمال التخريبية، كما أن من مصلحة البلدين تعزيز تعاونهما في الترتيبات الأمنية الإقليمية لتأمين طرق إمدادات الطاقة من منطقة الخليج إلى الصين وغيرها من الدول الآسيوية.
وقد قال سفير السعودية لدى الصين، يحيى عبدالكريم الزيد، في تصريحات لصحيفة "عكاظ" السعودية قبل زيارة الرئيس الصيني الأخيرة إلى السعودية، إن زيارة زعيم دولة بحجم الصين إلى السعودية يعكس اهتمامها بضرورة التشاور، نظرا لما يتمتع به البلدان من ثقل اقتصادي وسياسي كبير، ليس فقط على مستوى المنطقة بل وفي العالم، للوصول إلى حالة الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط. 
وأشار إلى أن الرياض وبكين تبذلان جهودا حثيثة لدعم الأمن والاستقرار في العالم، مؤكدا أن الصين تقدر الجهود التي تبذلها المملكة إزاء تفعيل حوار الأديان، وإيجاد حالة الأمن والاستقرار في العالم، ولها مواقف ايجابية إزاء القضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية وضرورة إيجاد سلام عادل وشامل في منطقة الشرق الأوسط.
علاقات ثقافية وإنسانية
   كان قيام جمعية الصداقة الصينية- السعودية في الصين وجمعية الصداقة السعودية الصينية في السعودية، في أكتوبر 1997، مؤشرا لبدء مرحلة ما يمكن تسميته بالدبلوماسية الإنسانية بين البلدين، كما تطور التبادل التعليمي بين البلدين، ويبلغ حاليا عدد الطلبة السعوديين الدارسين في الصين أكثر من 250 طالبا، في حين يدرس عشرات الطلاب الصينيين في الجامعات السعودية.
 وفي يناير 2006 زار وفد من المجتمع المدني السعودي الصين، والتقى مع باحثين في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، في أول حوار مباشر لمثقفين صينيين وسعوديين. 
وفي نوفمبر 2007 زار الصين رئيس مركز فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الأمير تركي الفيصل، وقد قرر المركز إنشاء برنامج للدراسات الصينية به.
وقد تجلت العلاقات الإنسانية بين البلدين في أعمق صورها عندما وقع زلزال ونتشوان في الصين في مايو العام الماضي، وبادرت المملكة بتقديم معونات مالية ومادية قيمتها ستون مليون دولار أمريكي للمنطقة المنكوبة.
 وفي زيارته إلى المملكة اصطحب الرئيس الصيني معه عددا من أطفال تلك المنطقة ليعبروا بأنفسهم عن شكرهم لعاهل السعودية وشعبها.



إغلاق
تعليقات الزوار إن التعليقات الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي وفكر إدارة الموقع، بل يتحمل كاتب التعليق مسؤوليتها كاملاً
أضف تعليقك
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
عنوان التعليق  *
نص التعليق  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
رد على تعليق
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
نص الرد  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
 
اسـتفتــاء الأرشيف

برأيك ما أسباب انتشار المخدرات في الولايات المتحدة ؟