لم يرد في القرآن الكريم أي نص صريح يشير إلى أن سيدنا آدم عليه السلام كان فلاحًا أو يمتهن الفلاحة. كما لم تذكر السنة النبوية الصحيحة هذا الأمر بشكل واضح. ومع ذلك، ظهرت بعض الروايات غير الموثوقة في كتب التفسير والتاريخ، تشير إلى أن آدم عليه السلام كان يزرع الأرض ويعمل عليها بعد نزوله من الجنة.
روايات تاريخية غير مثبتة
من بين الروايات التي تحدثت عن مهنة سيدنا آدم، ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما، حيث نُقل عنه قوله إن آدم كان "عبدًا حراثًا". إلا أن هذه الرواية جاءت بإسناد ضعيف وغير موثوق، إذ وردت من طريق عبد المنعم بن إدريس، وهو راوٍ ضعيف متروك الحديث.
وقد أشار كبار علماء الحديث مثل الإمام أحمد بن حنبل والبخاري والذهبي إلى أن عبد المنعم بن إدريس ليس ثقة، بل عُرف بوضع الأحاديث، مما يجعل هذه الرواية غير صالحة للاستشهاد.
تفسيرات العلماء حول الشقاء في الآية الكريمة
قال تعالى: "فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ" [طه: 117].
ربط بعض العلماء الشقاء المذكور في الآية بالعمل الجسدي الذي تكبد آدم عليه السلام بعد نزوله إلى الأرض.
في تفسيره لهذه الآية، أشار الطبري إلى أن الشقاء قد يتعلق بالعمل في الزراعة، حيث رُوي عن سعيد بن جبير أن الله أنزل إلى آدم ثورًا ليحرث عليه الأرض ويمسح العرق عن جبينه.
نقل المفسرون مثل القرطبي والألوسي روايات مشابهة، تشير إلى أن آدم عليه السلام بدأ حياة الكد والعمل بعد خروجه من الجنة، وهو ما يتفق مع طبيعة الحياة الدنيوية التي تعتمد على السعي والعمل.
مهن الأنبياء: نظرة عامة
تُظهر النصوص الدينية أن العديد من الأنبياء امتهنوا مهنًا مختلفة، وكانوا يأكلون من عمل أيديهم، وهذا يدل على قيمة العمل في الإسلام. من بين هذه المهن:
سيدنا نوح عليه السلام: كان نجارًا.
سيدنا إدريس عليه السلام: اشتهر بأنه خياط.
سيدنا داود عليه السلام: صنع الدروع والخوص.
طالوت: عمل في الدباغة.
وعليه، يمكن القول إن الأنبياء كانوا يقتدون بالعمل الشريف لتلبية احتياجاتهم، وربما كان آدم عليه السلام ضمن هؤلاء الذين عملوا بجدٍ بعد نزولهم إلى الأرض.
تحليل الروايات: هل كان آدم عليه السلام فلاحًا حقًا؟
بالرغم من أن بعض الروايات تشير إلى أن سيدنا آدم عمل في حرث الأرض، إلا أن غياب نصوص صريحة من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة يجعل من الصعب الجزم بذلك.
الروايات الضعيفة مثل تلك التي نقلها عبد المنعم بن إدريس تجعلنا نميل إلى التشكيك في صحة هذه الأقوال. ومع ذلك، فإن التفسيرات التي تربط الشقاء المذكور في الآية الكريمة بالعمل الزراعي تُظهر احتمال أن يكون آدم عليه السلام قد زاول الفلاحة كجزء من حياته الدنيوية.