المطالبة المالية في النزاعات العائلية: هل يحق لك مطالبة أخيك بمبلغ دفعت له؟
تُعد المعاملات المالية بين الأفراد في العائلة واحدة من أكثر القضايا حساسية، خاصة عندما تتداخل الأموال مع العلاقات الأسرية. القصة التي نناقشها اليوم تدور حول شخص طلب من أخيه بيع شقته له مقابل دفع مبلغ شهري معين، ولكن بعد مرور فترة من الزمن، نشب الخلاف بسبب توقف المدفوعات وتدهور الوضع المالي للشخص المتضرر.
تفاصيل القضية:
الشخص الذي يواجه المشكلة كان قد اتفق شفهيًا مع أخيه الأكبر على شراء شقته الواقعة في منزل العائلة. تم الاتفاق بينهما على أن يقوم بدفع مبلغ شهري يعادل 20% من راتبه، وهو 200 دينار شهريًا من أصل 1000 دينار، على أن يكون هذا المبلغ جزءًا من قيمة الشقة التي كان يشتريها.
استمر الشخص في دفع المبلغ المتفق عليه، بينما انتقل هو وزوجته وأبناؤه للعيش في الشقة الجديدة، بينما بقي هو في مكان عمله. بعد مرور عام ونصف، تعرض الشخص للتسريح من عمله، مما أدى إلى توقفه عن دفع المبلغ الشهري. رغم محاولاته إيجاد عمل آخر أو السفر إلى دول أخرى، كانت الأحوال المالية تسوء أكثر فأكثر، مما جعل من الصعب عليه الوفاء بالمبالغ الشهرية.
الخلاف حول إعادة المبلغ المدفوع:
مع استمرار الأوضاع المالية الصعبة، طلب الشخص من أخيه أن يصبر عليه حتى تتحسن أحواله، ويعفيه من دفع المبلغ شهريًا حتى يستطيع دفعه مجددًا. لكنه فوجئ برفض أخيه القاطع، بل وطالبه بمغادرة الشقة، بحجة أنه لم يدفع المبالغ المطلوبة لفترة طويلة، ورفض إعادة المبلغ المدفوع له، معتبراً أنه لا يحق له المطالبة بأي شيء.
الحكم الشرعي في هذه الحالة:
1. العقود الشفهية والالتزامات المالية:
فيما يتعلق بالعقود الشفهية أو غير الموثقة، يجب أن نوضح أن الشرع الإسلامي لا يعترف فقط بالعقود المكتوبة بل يمتد ذلك إلى الاتفاقات الشفهية أيضًا. ومع ذلك، فإن القواعد الفقهية تؤكد أن جميع الالتزامات المالية التي تُبرم حتى ولو كانت شفوية بين الأطراف تصبح ملزمة ما دام تم الاتفاق على شروطها بشكل واضح. وبناءً على هذا، فإن الشخص الذي دفع المبالغ الشهرية قد استوفى الجزء المتفق عليه من العقد، حتى ولو لم يكن هناك عقد مكتوب.
2. حق الشخص في المطالبة بالمبلغ المدفوع:
الشرع يقر بحق الشخص في استرداد المبلغ المدفوع في حال تم الاتفاق على شراء شيء ولم يتم تنفيذ العقد بالشكل المتفق عليه. في هذه الحالة، بما أن المبلغ المدفوع لم يكن جزءًا من هبة أو هدية بل كان جزءًا من اتفاق مبني على بيع عقار، فإنه من حق الشخص المطالبة بما دفعه، خاصة إذا كان قد دفع المبالغ بعد أن استنفد جميع الخيارات المالية ولم يكن هناك اتفاق واضح بخصوص الفسخ.
3. الطبيعة القانونية للاتفاق:
من الناحية القانونية، يعتبر هذا الاتفاق بمثابة عقد بيع مؤجل، وعليه فإنه في حالة عدم القدرة على الوفاء بالدفع من جانب المشتري، يمكن للطرفين التوصل إلى اتفاق في المحكمة لإعادة تقييم المبلغ المدفوع أو تعديل شروط الاتفاق بما يتناسب مع الوضع المالي للمشتري.
الحقوق الشرعية في هذه الحالة:
عند النظر في الحكم الشرعي بشكل أعمق، نجد أن الشرع يولي اهتمامًا بالغًا لحقوق الأفراد في المعاملات المالية، وخاصة بين الأقارب. إذ يجب أن يتم التعامل بين الأشخاص بما يضمن العدالة والإنصاف. وبالتالي، يمكن القول إن الشخص الذي دفع المبلغ الشهري من حقه المطالبة بالمبلغ الذي دفعه في حال لم يتم تنفيذ الاتفاق حسبما تم الاتفاق عليه.
ماذا يجب أن تفعل في هذه الحالة؟
في حال لم تتوصل مع أخيك إلى حل ودي، يمكن للشخص التوجه إلى القضاء الشرعي أو إلى شخص موثوق به من العائلة أو من طرف ثالث لحل النزاع بطريقة عادلة. قد يكون من المفيد النظر في التسوية الودية أو عقد اتفاق جديد بين الطرفين بما يتناسب مع الوضع المالي الجديد للمشتري.