هذا المقال يستعرض مذاهب العلماء المختلفة في حكم المائعات غير الماء إذا أصابتها نجاسة، مع تحليل الأدلة والترجيحات الفقهية.
المذاهب الفقهية في المسألة
مذهب الجمهور: التنجيس بالملاقاة مطلقًا
يرى المالكية، الشافعية، والحنابلة في المذهب المعتمد أن المائعات تتنجس بمجرّد ملاقاة النجاسة، سواء كانت قليلة أو كثيرة.
استدلوا بحديث النبي ﷺ عن السمن الذي وقعت فيه الفأرة:
"إن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه" (رواه البخاري).
ففهموا من الحديث أن المائع ينجس بمجرد الملاقاة، لأنه ليس له خاصية دفع النجاسة كالماء.
مذهب الحنفية: التفريق بين القليل والكثير
ذهب الحنفية إلى أن المائع يشبه الماء:
القليل منه ينجس بملاقاة النجاسة.
الكثير لا ينجس إلا إذا تغيّر لونه أو طعمه أو رائحته.
في رواية عن الإمام أحمد، أشار إلى عدم نجاسة المائع الكثير إذا لم يتغير.
مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حزم: عدم التنجيس إلا بالتغير
ذهب ابن تيمية وابن حزم إلى أن جميع المائعات لا تنجس إلا إذا تغيّرت بالنجاسة، سواء كان المائع كثيرًا أو قليلًا.
استدل ابن تيمية بأن النصوص الشرعية تدل على أن الأصل في الأشياء الطهارة، وأن التغير هو المقياس لتأثر المائع بالنجاسة.
كما رأى ابن حزم أن التنجيس بغير التغير يؤدي إلى إتلاف أموال المسلمين بلا دليل قاطع.
ترجيح المسألة
بناءً على الأدلة:
القول الراجح هو القول الثالث (عدم التنجيس إلا بالتغير):
لأن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل على النجاسة.
النصوص الشرعية التي استدل بها الجمهور، مثل حديث السمن، يمكن فهمها على أن الأمر فيه إرشاد لا على الوجوب.
القول بعدم التنجيس إلا بالتغير يحقق التيسير ورفع الحرج، وهو مقصد من مقاصد الشريعة.
خلاصة الحكم
إذا أصابت النجاسة مائعًا ولم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته، فإنه يبقى طاهرًا على القول الراجح.
أما إذا تغيّر أحد أوصافه، فإنه يصبح نجسًا، ولا يجوز استخدامه.
هذا الرأي يحقق التوازن بين حفظ الأموال وتطبيق قواعد الطهارة في الإسلام.