تُعد الهبة من الأحكام الشرعية التي يكثر حولها الجدل، خاصة إذا تداخلت مع أمور أخرى مثل الخطبة أو الزواج. يتساءل كثيرون عن مصير الهدايا والهبات المقدمة أثناء الخطوبة في حال عدم إتمام الزواج.
الهبة في الإسلام وأحكامها العامة
الهبة في الإسلام تُعد تبرعًا محضًا من الواهب للموهوب. وبمجرد قبض الموهوب للهبة، تصبح ملكًا له ولا يجوز للواهب الرجوع فيها، إلا في حالة واحدة وهي إذا كان الواهب والدًا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" (رواه البخاري).
وهذا الحديث يشير بوضوح إلى كراهية الرجوع في الهبة وعدم جوازه، باستثناء الوالد الذي يُباح له الرجوع في هبته لولده.
الهبة المرتبطة بالخطبة
الهبة التي تُقدم في إطار الخطبة تأخذ حكمًا مختلفًا إذا كانت مشروطة ضمنيًا أو صراحةً بإتمام الزواج. فإذا كانت الهبة قائمة على أساس أن الخطبة ستنتهي بالزواج، ثم فُسخت الخطبة لسبب من طرف الواهب أو أهله، فإن هذه الهبة قد يُنظر إليها على أنها غير محضة، وبالتالي يمكن المطالبة باستردادها.
موقف الفقهاء من الهبة المشروطة بالزواج
المذهب الحنفي:
يرى الحنفية أن الهبة المقدمة أثناء الخطبة يجوز استردادها إذا كانت متعلقة بالزواج ولم يتم الزواج، سواء كانت هدية أو مالًا أو غير ذلك.
المذهب المالكي والشافعي:
يرى المالكية والشافعية أن الهبة تصبح ملكًا للمخطوبة إذا قُبضت، ولا يجوز للواهب الرجوع فيها، إلا إذا ثبت شرط ضمني أو صريح بارتباط الهبة بإتمام الزواج.
المذهب الحنبلي:
يُفرّق الحنابلة بين الهبة المطلقة (غير المشروطة) والهبة المرتبطة بالزواج. فإذا كانت الهبة قائمة على شرط الزواج ولم يتم العقد، جاز للواهب استردادها.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني:
"إذا وهبها بشرط الزواج ولم يتم، له أن يرجع في هبته، لأنها كانت مشروطة بزوال سببها."
تطبيق المسألة على الحالة المعروضة
بناءً على ما سبق:
إذا كانت قطعة الأرض التي أهداها الشاب للفتاة قد قُدمت بغير شرط أو اتفاق ضمني بأنها مرهونة بإتمام الزواج، فلا يحق له المطالبة بها؛ لأن الهبة قبضت وأصبحت ملكًا للفتاة.
أمّا إذا ثبت أن الهبة مشروطة بإتمام الزواج، ولم يتم الزواج بسبب الشاب وأهله، فإن الهبة يمكن استردادها شرعًا؛ لأنها ارتبطت بشرط لم يتحقق.
هل تحتاج المسألة إلى القضاء؟
نعم، لأن هذه القضية تُعتبر نزاعًا ماليًا بين طرفين، ويحتاج الفصل فيها إلى محكمة شرعية أو إلى طرف ثالث يرتضيه الطرفان للفصل في الموضوع.
فقد ذكر الفقهاء أن القضاء هو المرجع في حال الاختلاف في الهبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"الهبات التي يتنازع فيها الناس مردها إلى القضاء؛ لأن القضاء ينظر في تفاصيل كل حالة على حدة."
نصيحة للطرفين
للشاب:
إذا كنت قد أهديت الأرض عن طيب نفس وبدون شرط، فلا يحق لك شرعًا استردادها. أما إذا كان هناك شرط ضمني أو صريح بإتمام الزواج، فيُستحسن التفاهم وديًا أو اللجوء إلى القضاء.
للفتاة:
إذا كانت الأرض هبة محضة وأصبحت ملكًا لكِ، فلا حرج في الاحتفاظ بها. لكن من باب الإحسان والكرم، إذا كان الشاب يمر بضائقة مالية، فالتنازل عنها قد يُعتبر تصرفًا أخلاقيًا.
خاتمة: التحكيم بين الشرع والأخلاق
في مثل هذه القضايا، لا ينبغي أن نغفل عن القيم الإسلامية في التسامح والتفاهم. فحتى لو أقر الشرع بأحد الطرفين حقه، يبقى التعامل بالحسنى بين المسلمين أفضل وأحب إلى الله.
يقول تعالى:
"وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ" (البقرة: 237).