تشهد بعض الأسر في المجتمعات العربية تفضيلًا واضحًا للأبناء الذكور على الإناث في الأمور المادية والعطايا، مما يؤدي إلى مشكلات اجتماعية ونفسية بين أفراد العائلة. هذه الممارسات تطرح تساؤلات جدية حول مدى مشروعيتها في الإسلام، خاصة مع تكرار وقوع الظلم في توزيع الأموال والهبات.
الحكم الشرعي في تفضيل الذكور على الإناث:
أجمع أهل العلم على أن العدل بين الأبناء في الهبات والعطايا واجب، استنادًا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". وبالتالي، فإن تفضيل أحد الأبناء دون مسوّغ شرعي يُعد ظلمًا لا يجوز.
وقد بيّن العلماء أن التسوية بين الأبناء تشمل الذكور والإناث على السواء، إلا إذا وُجد سبب شرعي يستدعي التفضيل، مثل حاجة أحد الأبناء الماسة أو ظروفه الخاصة.
هل تأثم الأم أو الأب عند تفضيل أحد الأبناء؟
نعم، يؤكد علماء الفقه أن تفضيل أحد الأبناء على غيره دون مبرر يُوقع صاحبه في الإثم. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله:
"فإن خصّ بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها أثم، ووجب عليه التسوية بأحد أمرين: إما ردّ ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر."
وبناءً عليه، فإن الواجب على الوالدين تصحيح الخطأ والعودة إلى مبدأ العدل، لأن الظلم بين الأبناء يُفسد العلاقات الأسرية ويزرع الحقد في القلوب.
الإنفاق حسب الحاجة لا يخالف الشرع:
من ناحية أخرى، أكد العلماء أن الإنفاق على الأبناء يُراعى فيه حالة الولد نفسه. فمثلًا، يمكن للوالدين أن ينفقا على الابن الفقير أكثر من الابن الغني دون أن يُعتبر ذلك ظلمًا، لأن النفقات تُبنى على الكفاية والحاجة.
كيفية نصح الوالدين بالرفق والأدب:
إذا لاحظ الأبناء تمييزًا واضحًا من الوالدين بين الذكور والإناث، فإن النصيحة واجبة، ولكن يجب أن تُقدّم بأسلوب لطيف وبكلمات تحمل الاحترام. فالوالدان ليسا كغيرهما من الناس؛ بل لهما حقّ الطاعة والبرّ.
قال الإمام أحمد رحمه الله:
"إذا رأى أباه على أمر يكرهه، يُعلمه بغير عنف ولا إساءة، ولا يُغلّظ له في الكلام."
ومن هنا، على الأبناء الذين يشعرون بالظلم أن يُذكّروا والديهم بحكم الشرع بعبارات هادئة تُظهر حسن النية، مثل:
"يا أمي، الله أمرنا بالعدل بين الأولاد؛ فأنا وأخوتي جميعًا أولادكِ ونتمنى حبك وعدلك."
رفض طلب الوالدين إذا خالف الشرع:
في بعض الحالات، قد يطلب الوالدان شيئًا من الأبناء يتعارض مع الشرع أو يُحمّل أحدهم أعباء إضافية غير واجبة. في هذه الحالة، يجوز للأبناء رفض الطلب دون الوقوع في العقوق، مع الحرص على توضيح السبب بأدب.
فمثلًا، إذا طلبت الأم من ابنتها أن تُلزم زوجها بمطالب غير مشروعة، يحق للابنة الامتناع، لأن ذلك ليس من واجباتها.
كيف تتعاملين مع مشاعر الكره أو الحزن تجاه الأم؟
من الطبيعي أن تشعر الفتاة بالظلم أو القهر عند تمييز الأم لإخوتها الذكور، لكن المهم ألا تدفع هذه المشاعر إلى العقوق أو التقصير. يجب تذكّر فضل الأم وحقها الكبير، والسعي دائمًا إلى برّها رغم تصرفاتها.
يقول الله تعالى:
"ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم."
الحل الأمثل هو مقابلة الإساءة بالإحسان والرد على التفضيل الظاهر بمزيد من الصبر والبرّ، مما قد يلين قلب الأم ويعيد الأمور إلى نصابها.