قد تجد الأرملة، التي تكافح لتربية أيتامها، نفسها أمام خيارات صعبة لتلبية احتياجاتهم اليومية. مثل هذه الظروف دفعت إحدى الأمهات إلى الكذب على صديقة موثوقة بغرض الحصول على دعم مالي، مبررة ذلك بالحياء والضرورة القصوى. فما هو الحكم الشرعي لهذه الحالة؟ وهل يمكن تبرير الكذب في هذه الظروف؟
أصل حرمة الكذب
إن الكذب في الإسلام محرم بشكل عام، ويستند الحكم إلى أدلة شرعية كثيرة، منها قوله تعالى: "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ" (النحل: 116). كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار"، ما يؤكد أن الكذب يقود إلى عواقب وخيمة.
الكذب في حالات الضرورة
ومع ذلك، تُستثنى من حرمة الكذب بعض الحالات إذا دعت الضرورة الملحة، كأن يكون الكذب السبيل الوحيد لاستيفاء حق أو لتجنب ضرر كبير. يقول العلماء في مثل هذه الحالات: "الضرورات تبيح المحظورات". وهنا يُستشهد بقوله تعالى: "وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ" (الأنعام: 119). إذا كان الإنسان في موقف لا يُمكِّنه من سد حاجته إلا بالكذب، فقد يُباح له، ولكن ضمن ضوابط صارمة.
الحاجة وسؤال الناس
توضح الفتوى أنه يجوز للإنسان أن يسأل الناس العون عند الضرورة، لا للاستكثار أو جمع المال، وإنما لسد حاجاته الأساسية. فإن كانت الحال كما في القصة المطروحة، فلا حرج في السؤال بغرض سد الرمق. ومع ذلك، لا ينبغي التوسع في هذا المبدأ أو استخدامه دون وجه حق.
أخذ المال بدون إذن: متى يجوز؟
إذا أرسلت الصديقة مبلغًا لدعم المرأة المزعومة، فمن الجائز أن تأخذ الأم المال لنفسها، إذا كانت تنطبق عليها الصفات التي جُمع لأجلها المبلغ، أي إذا كانت في حاجة فعلية ومستحقة للمساعدة. ومع ذلك، يستحسن أن تخرج من دائرة الشك بإخبار الصديقة بالحقيقة أو التلميح لها بطريقة محترمة، إن أمكن.
الحل الأمثل: التورِية بدل الكذب
من الحلول التي يفضلها العلماء لتجنب الكذب المباشر، استخدام "التورِية"، وهي قول كلام يحتمل أكثر من معنى، بحيث لا يكون كذبًا صريحًا، ولكن يفهمه الطرف الآخر بطريقة تُحقق غرض القائل. فبدلًا من أن تقول المرأة إنها تجمع المال لشخص آخر، يمكنها استخدام عبارات تُبقي الباب مفتوحًا لتأويل صحيح دون التصريح بالكذب.
كيف يمكن للأرامل تجاوز الحرج؟
الحياء فضيلة، ولكن في حالة الحاجة الملحة، يبيح الشرع للأرامل طلب المساعدة. كما يُشجع المجتمع على تفهّم حاجات هذه الفئة وتقديم الدعم اللازم دون أن يضطرن إلى اللجوء لأساليب ملتوية. إن تكاتف المجتمع مع من يعانون من ضيق العيش يُعد واجبًا إنسانيًا وشرعيًا، يساعد في الحفاظ على كرامة الأسر المحتاجة.