يعتبر الحلف أو القسم من الأمور الجدية في الشريعة الإسلامية، حيث يدل على الالتزام بأمر معين أو تأكيد على قول أو فعل ما. ولأهمية هذه المسألة، فقد وضعت الشريعة الإسلامية شروطًا صارمة حول كيفية الحلف والشروط الواجب توافرها في ذلك.
من أبرز القواعد التي نصت عليها الشريعة أن الحلف لا يكون إلا بالله -سبحانه وتعالى- أو بأسمائه وصفاته. وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: "من كان حالفًا، فليحلف بالله أو ليصمت". وبذلك لا يجوز الحلف بأي مخلوق أو بشيء من خلق الله، فالحلف لا يكون إلا بالله.
الحلف بأمانة الله: مفهوم واسع وقابل للتأويل
تعد عبارة "بأمانة الله" من العبارات الشائعة التي قد يستخدمها الناس في الحلف، وقد تكون موضع تساؤل حول مدى صحتها وجوازها. علماء الشريعة أوضحوا أن هذه العبارة تحمل معنيين مختلفين؛ الأول يتعلق بصفة من صفات الله تعالى، وهو ما يعني أن الله ذو أمانة. في هذه الحالة، يكون الحلف صحيحًا ويعتبر يمينًا شرعية منعقدة.
أما المعنى الآخر، فقد يشير إلى الأمور المتعلقة بالودائع والفرائض والحقوق، وهو معنى مخلوق ولا يرتبط بصفات الله تعالى. إذا كان هذا هو المقصود، فلا يجوز الحلف بهذه العبارة، ويكون الحلف غير صحيح وغير منعقد.
رأي المذاهب الفقهية حول الحلف بأمانة الله
اتفق العلماء على ضرورة النية في مثل هذه الحالات التي تحتمل أكثر من معنى. فإذا نوى الشخص الحلف بصفة من صفات الله، فإن الحلف صحيح ويجب عليه الوفاء به، أما إذا كانت النية تدور حول شيء مخلوق أو غير مرتبط بالله، فلا يكون الحلف جائزًا.
وقد ذكر ابن قدامة في "المغني" أن الحلف بأمانة الله يُعتبر يمينًا مكفرة عند الحنابلة إذا نوى الحالف صفة الله، وأشار إلى أن اللفظ محتمل لمعنيين، مما يستوجب وجود نية واضحة تحدد معنى الحلف. وذكر الشافعية أن اليمين لا تنعقد إلا إذا كانت النية تدور حول صفة الله تعالى، في حين اعتبر الحنابلة أن اليمين تنعقد لأن الأمانة قد تعتبر صفة لله تعالى عند الإطلاق.
كما ذكر الإمام الماوردي في كتابه "الحاوي" أنه إذا كانت النية في الحلف بأمانة الله تدل على صفة ذات الله، فإن اليمين صحيحة، ولكن إذا كانت تدل على فروض الله أو ما يتعلق بأفعال الله، فإن اليمين لا تنعقد.
الاختلاف الفقهي: متى تنعقد اليمين؟
الاختلاف بين الشافعية والحنابلة في هذه المسألة يعكس تأويل النصوص واختلاف فهم العلماء. فالشافعية يرون أن اليمين لا تنعقد إلا بوجود نية واضحة تدل على الحلف بصفة من صفات الله، في حين أن الحنابلة يميلون إلى أن اليمين تنعقد بالإطلاق إذا كان المقصود هو صفة الله، وأن المسلم عادة لا يقسم بشيء مخلوق.
وقد أوضح ابن قدامة أن النية تلعب دورًا أساسيًا في تحديد صحة اليمين، وأنه يجب على المسلم عند الحلف أن يختار الكلمات التي تحمل معنى واضحًا ولا تحتمل التأويل. فإذا كانت العبارة غير واضحة أو تحتمل أكثر من معنى، فيجب العودة إلى نية الشخص في الحلف.