يواجه الورثة في بعض الأحيان تحديات شرعية معقدة عند إدارة تركة المتوفى، وخاصة عندما يتضمن العقار الذي تركه ورثة المتوفى جزءاً موقوفاً مثل مسجد. السؤال هنا: هل يجوز بيع العقار كاملاً، وما هي الشروط والضوابط التي تحكم هذا البيع؟ في هذا المقال، نستعرض الأحكام الشرعية المتعلقة ببيع العقارات التي تحتوي على مساجد موقوفة، والخيارات المتاحة للورثة في هذه الحالة.
حكم الوقف على المساجد: وقف لا يُباع ولا يُورث
من المعروف أن الشريعة الإسلامية تمنع بيع أي وقف شرعي تم تخصيصه لخدمة المجتمع، مثل المساجد. فالوقف يعتبر من الأعمال الخيرية الدائمة، ويخرج عن ملكية صاحبه بمجرد إعلانه كوقف. كما جاء في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب عند استشارته في قطعة أرض: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها"، فحبس عمر رضي الله عنه الأرض وجعلها وقفاً لا يباع ولا يوهب ولا يورث.
وبذلك فإن المسجد الذي يتم بناؤه داخل عقار سكني، أو تحت عمارة سكنية، يصبح وقفاً لا يجوز بيعه، ولا يدخل في ملكية الورثة. أي محاولة لبيع هذا العقار بالكامل تعتبر مخالفة شرعية، ما لم تُستثنَ مساحة المسجد من عملية البيع.
الاستثناء الشرعي: كيف يمكن بيع العقار دون المساس بالوقف؟
إذا كان الورثة بحاجة ماسة لبيع العقار، فيمكنهم القيام بذلك بشرط استثناء المسجد من البيع. يُنص في عقد البيع على أن المسجد وقف لله تعالى، وأن العقار المبيع لا يشمل المساحة التي يشغلها المسجد. بهذه الطريقة، يتم حماية المسجد من البيع مستقبلاً، ولا يمكن للمشتري التلاعب بهذا الوقف أو إغلاقه.
وعلى الورثة أن يتأكدوا من كتابة هذه الشروط بشكل واضح في العقد، لضمان عدم حدوث أي مخالفة شرعية أو قانونية في المستقبل. كما يمكنهم الاتفاق مع المشتري على الإشراف على المسجد واستمراره في خدمة الناس.
حلول أخرى: بيع الشقق بدلاً من بيع العقار بالكامل
في حالة عدم قبول المشتري باستثناء المسجد من عملية البيع، يمكن للورثة اللجوء إلى بيع العقار قطعة قطعة. على سبيل المثال، يمكن بيع الشقق السكنية بشكل منفصل عن المسجد، مما يضمن استمرار المسجد كوقف وعدم المساس بحقه. هذا الحل يعد شرعياً ومقبولاً من الناحية القانونية، ويجنب الورثة الوقوع في مخالفة شرعية قد تعرضهم للمساءلة.