إن قيام الليل من أعظم العبادات التي حض عليها الإسلام، وقد وردت فيه أحاديث كثيرة تشجع المسلمين على تخصيص جزء من الليل للصلاة والذكر والدعاء. يتنوع قيام الليل بين درجات، ويُفضل اتباع طريقة النبي داود عليه السلام التي تعتبر أفضل هذه الدرجات، حيث يجمع فيها بين النوم والقيام والاضطجاع قبل الفجر. فما هي التفاصيل الدقيقة لحكم الاضطجاع بعد صلاة الوتر؟ وكيف يمكن تحقيق أفضل مراتب قيام الليل؟
درجات قيام الليل وفق السنة النبوية
تتفاوت درجات قيام الليل، ولكن أفضلها ما اتبعه النبي داود عليه السلام. وفقًا لما ورد في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم، كان النبي داود يقسم ليله إلى ثلاثة أجزاء: ينام نصف الليل، يقوم ثلثه للصلاة، ثم يعود لينام سدسه حتى الفجر. وهذه هي الطريقة التي حض النبي محمد صلى الله عليه وسلم عليها. قال صلى الله عليه وسلم: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه" (رواه البخاري ومسلم).
أهمية النوم قبل وبعد قيام الليل
النوم قبل القيام يساعد على تحصيل النشاط اللازم للصلاة والعبادة. فقيام الليل، خاصة في الثلث الأخير، يعد من أفضل الأوقات للدعاء واستجابة الله تعالى للسائلين. النوم قبل الصلاة وبعدها يعود بفائدة كبيرة على الجسد والنفس.
قال العلماء إن النوم بعد قيام الليل يساعد في تجنب إرهاق الجسم والتأثير على الصلوات المفروضة، ويفتح المجال لاستقبال صلاة الفجر بنشاط وقوة.
الاضطجاع بعد صلاة الوتر
بالنسبة للاضطجاع بعد صلاة الوتر، فقد وردت فيه أحاديث صحيحة تشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضطجع قليلاً بعد الوتر، وذلك قبل الفجر. روى الإمام مالك عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن حتى يؤذن الفجر".
هذا الاضطجاع ليس واجبًا، ولكنه يُعد من السنن المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحقق الراحة والسكينة قبل الفجر. كما أن النوم أو الاضطجاع بعد الوتر يساعد المسلم على الاستعداد لصلاة الفجر بنفس نشطة ويقظة. بعض الفقهاء يرون أن الاضطجاع بعد الوتر له فوائد نفسية وجسدية كبيرة، تساعد المسلم على استعادة طاقته وإخفاء آثار السهر من وجهه.
الفرق بين صلاة داود والاضطجاع بعد الوتر
قد يخلط البعض بين صلاة داود عليه السلام والاضطجاع بعد الوتر، ولكن الفرق بينهما واضح. صلاة داود تشمل نومًا قبل وبعد القيام بالليل، ويعد تقسيمه لوقته بهذا الشكل أفضل طريقة لأداء قيام الليل. أما الاضطجاع بعد الوتر فهو عادة مأثورة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يفعلها بعد صلاة الوتر في نهاية الليل، قبل أن يستيقظ لصلاة الفجر.
هل ينقص أجر المسلم إذا لم يضطجع بعد الوتر؟
الإجابة على هذا السؤال تتوقف على مدى التزام المسلم بالسنة، وليس على الوجوب. فالاضطجاع بعد الوتر سنة مستحبة، وليس فرضًا. إذا لم يضطجع المسلم بعد الوتر، فإنه لا ينقص من أجر قيامه بالليل، ولكنه يفوّت فرصة اتباع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. لذلك، يُستحب القيام بهذا الاضطجاع لمن استطاع، دون أن يكون فيه حرج أو تكلف.
الفوائد النفسية والجسدية للاضطجاع
الاضطجاع بعد الوتر، حتى لو لم يتمكن المسلم من النوم، يساعد على تهدئة العقل والجسد، ويعيد التوازن بعد الصلاة الطويلة. كما أنه يُهيئ الشخص لدخول صلاة الفجر بروح متجددة، مما يجعله أكثر تركيزًا وحضورًا في أداء الصلاة وأذكار الصباح.