يعتبر التصدق من الأعمال الفاضلة التي حث عليها الدين الإسلامي، حيث أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الصدقة لها أجر عظيم حتى ولو كانت بسيطة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه عند كثير من الشباب، خاصة ممن يعيشون مع أهاليهم ويعتمدون على دعمهم المالي، هو هل يجوز لهم التصدق من المصروف الشخصي الذي يحصلون عليه من أهلهم؟ وهل يمكن إهداء ثواب هذه الصدقة إلى أحد الوالدين المتوفين؟
حكم التصدق من المصروف الشخصي
في الإسلام، يُحث المؤمن على التصدق مهما كان المبلغ صغيرًا. وقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل". هذا الحديث يؤكد على أن الله سبحانه وتعالى يضاعف أجر الصدقة مهما كانت قليلة، ما دامت صادرة من مال طيب.
وفي حديث آخر، عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل أنواع الصدقة، أجاب: "جهد المقل، وابدأ بمن تعول" (رواه أبو داود). يشير هذا الحديث إلى أن صدقة الشخص الذي يملك القليل من المال قد تكون أفضل في بعض الحالات من صدقة الشخص الذي يملك الكثير، لأن تأثيرها يكون أكبر عليه.
الصدقة عن المتوفى
أما فيما يتعلق بإهداء ثواب الصدقة إلى المتوفى، فالإسلام يجيز ذلك ويوضح أنه يصل إلى المتوفى وينفعه. وقد ورد في صحيح البخاري عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في التصدق عن أمه، فأذن له. كما ورد في الصحيحين حديث آخر لرجل قال: "يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها -أي ماتت بغتة-، وأظنها لو تكلمت لتصدقت، فهل أتصدق عنها؟" فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم".
وبذلك، فإن الشخص الذي يتصدق عن والده أو والدته المتوفين، سواء كان المبلغ كبيرًا أو صغيرًا، يحقق ثوابًا لنفسه وينفع المتوفى في آن واحد.
هل المال القليل مقبول كصدقة؟
من أهم المفاهيم التي يجب أن تكون واضحة في أذهان الناس هو أن الصدقة لا تُقاس بحجم المال، بل تُقاس بنية المتصدق وحالته. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبق درهم مائة ألف درهم". وعندما سأله الصحابة كيف يكون ذلك، قال: "كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم، فتصدق بها" (رواه النسائي).
وهذا يعني أن الشخص الذي يتصدق بنصف ماله، حتى وإن كان المبلغ صغيرًا، قد يكون أجره أعظم من الشخص الذي يتصدق بمبالغ ضخمة من ثروته.
فضل الصدقة القليلة وارتباطها بالإخلاص
قال ابن القيم في كتاب عدة الصابرين: "هذه الأحاديث تدل على أن جهد المقل أفضل من صدقة كثير المال ببعض ماله الذي لا يتبين أثر نقصانه عليه"، ويؤكد بذلك على أن الصدقة الصادرة من شخص قليل المال تكون أثقل في الميزان، وذلك بسبب نية الإخلاص والتضحية.
الأعمال تُقبل عند الله بحسب نية الشخص ومدى صدقه في إعطاء المال، وليس بحسب كمية المال. ولهذا، فالشاب الذي يتصدق بجزء من مصروفه الشخصي، حتى لو كان المبلغ قليلًا، يثاب عليه إن شاء الله.
أهمية النية في الصدقة
النية هي أساس قبول العمل عند الله. فعلى المسلم أن يكون مخلصًا في نيته عندما يقوم بأي عمل خيري. وقد ورد في الحديث الشريف: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتُغي به وجهه" (رواه النسائي وصححه الألباني).
لكن هذا لا يعني أنه لا يجوز أن ينوي الشخص إهداء ثواب العمل لأحد المتوفين من أهله، فقد جاء في القرآن الكريم والسنة ما يدل على أن الأعمال الصالحة التي يقوم بها الإنسان يمكن أن تُهدى إلى الموتى وتنفعهم بإذن الله.