أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري الأنصاري، هو أحد كبار سادات التابعين وأبرز علماء العصر الذي عاش فيه. اشتهر بفقهه وعلمه الغزير وزهده العميق، وكان له تأثير كبير على العلماء والفقهاء من بعده. ولد في المدينة النبوية في أواخر خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وتربى في بيت النبوة تحت رعاية أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها -، وهو ما أثر بشكل عميق على شخصيته وعلمه.
نشأته وتعليمه
ولد الحسن البصري عام 21 هـ، ونشأ في منزل أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - حيث كانت والدته خادمة لها. وقد أكرمه الله برضاعة من أم سلمة وتربى في بيئة مليئة بالعلم والبركة. حفظ القرآن الكريم في سن العاشرة، وتعلم على يد العديد من الصحابة الذين عاصرهم، مثل عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس، وغيرهم.
انتقاله إلى البصرة وتعلمه
في عام 37 هـ، انتقل الحسن البصري إلى البصرة، حيث بدأ مرحلة جديدة من طلب العلم والتعليم. عمل كاتباً في غزوة لأمير خراسان الربيع بن زياد، ثم استقر في البصرة حيث أسس حلقة علمية واسعة في جامع البصرة. كان له حلقة علمية أخرى في منزله، حيث كان يعلم الناس الزهد والرقائق والأخلاق.
مكانته العلمية والدينية
كان الحسن البصري معروفاً بفصاحته وعلمه الواسع في الحديث والفقه والتفسير واللغة. تولى قضاء البصرة في زمن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -، ولم يتقاضَ أجرًا على منصبه، مما يعكس إخلاصه وورعه. كان يُلقب بـ "سيد التابعين" نظراً لعلمه وفضله.
مناقبه وثناء الأئمة عليه
كان للحسن البصري مكانة عالية بين العلماء، حيث وصفه العديد من الأئمة بالعلم والفضل. قال علي بن زيد: "لم أر فيهم مثل الحسن". وذكر معاذ بن معاذ أن الحسن كان "أعلم الناس بالحلال والحرام". وقد كانت أعماله وعبادته مثار إعجاب من حوله.
زهده واستغناؤه عن الناس
تميز الحسن البصري بزهد عظيم واستغناء عن الناس، حيث كان يوزع عطاءه على الفقراء ويعيش حياة بسيطة. كان يرفض أموال الدنيا ويفضل الاستغناء عن المظاهر، مما جعل الناس يحتاجون إليه بينما كان هو في غنى عنهم.
عبادته وعلمه
كان الحسن البصري مثالاً للعبادة والعلم، حيث كان يصوم الأشهر الحرم والاثنين والخميس. وصفه ابن سعد بـ "العالم الكبير والعابد الناسك"، وكان يعتبر من أعلم الناس بالحلال والحرام. كان له تأثير كبير على الآخرين من خلال علمه وعبادته.
حب المصطفى صلى الله عليه وسلم
كان للحسن البصري حب عميق للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يروي قصصاً عن شوق الخشبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان يدعو الناس لشوقهم ومحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
علاقته بالفرزدق ومواعظه
كانت له علاقة مع الشاعر الفرزدق، حيث ناقش معه موضوعات دينية وعلمية. من مواعظه الشهيرة: "إنما الفقيه: الزاهد في الدنيا، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه". وكان له تأثير كبير على الآخرين من خلال مواعظه وحكمه.
توفي الإمام الحسن البصري في ليلة الجمعة من غُرَّة رجب سنة 110 هـ، عن عمر يناهز 88 سنة. كان موته حدثاً هزّ البصرة، حيث جرت جنازته في المسجد الذي قضى فيه حياته معلماً ومربياً، وكان له أثر عميق في تاريخ الفقه الإسلامي.