يتناول هذا المقال الحديث النبوي الشهير الذي دار بين السيدة عائشة وسودة بنت زمعة بحضور النبي محمد صلى الله عليه وسلم. هل يفيد هذا الحديث جواز تلطيخ الوجه بالطعام؟ سنتناول صحة الحديث ودلالته على ضوء الشريعة الإسلامية.
صحة الحديث وإسناده
يُعتبر حديث "لَتَأْكُلِنَّ أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ" من الأحاديث التي جاءت بعدة أسانيد، منها:
رواية هشام بن عمار: نقل الحديث عن سعيد بن يحيى بن صالح اللخمي.
رواية ابن أبي الدنيا: في كتاب "مداراة الناس" و"العيال" عن المؤمل بن هشام.
رواية أبو يعلى الموصلي: في "المسند" عن إبراهيم عن حماد.
رواية أبو بكر الشافعي: في "الغيلانيات" عن إسحاق بن الحسن الحربي.
رواية القطيعي: في زوائد "فضائل الصحابة للإمام أحمد" عن موسى بن عبد الرحمن أبو عيسى المسروقي.
الإسناد: جميع هؤلاء الرواة نقلوا الحديث عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن السيدة عائشة رضي الله عنها.
تقييم الإسناد:
يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: ثقة عند علماء الحديث. قال عنه الذهبي: "ثقة رفيع القدر" كما ذكره ابن حجر في "تقريب التهذيب" بأنه ثقة.
محمد بن عمرو بن علقمة: على الرغم من أن بعض العلماء وصفوه باللين، إلا أن حديثه يُعتبر حسنًا عند مجموعة من المحدثين مثل الهيثمي الذي أشار إلى أن رجاله من رجال الصحيح باستثناء محمد بن عمرو.
تحليل الحديث
هل الحديث يفيد جواز تلطيخ الوجه بالطعام؟
عند النظر إلى دلالة الحديث من جهة الشريعة الإسلامية، نرى أن الواقعة المذكورة حدثت في سياق ظرف اجتماعي خاص بين زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم، بحضوره. عدم اعتراض النبي صلى الله عليه وسلم على ما حدث بين عائشة وسودة قد يدل على التسامح مع الأمور اليسيرة في إطار الحياة الزوجية الخاصة والتي قد تتسم بالمرح واللهو البريء، دون أن يكون فيه هدر مقصود للنعمة أو إهانة للآخر.
التحليل الشرعي
الضوابط الشرعية:
النهي عن الإسراف: على الرغم من أن الحادثة تحتوي على تلطيخ الوجه بالطعام، إلا أن ذلك لا يعني جواز الإسراف أو الإضرار بالنعم.
السياق والظروف: يجب النظر إلى السياق الاجتماعي الذي حدثت فيه الواقعة، حيث كانت بين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وكان هناك رضا وسماح من النبي بهذا اللهو البريء.
آراء الفقهاء:
رأى بعض الفقهاء أن هذا الحديث لا يعارض النهي العام عن الإسراف، لأن الأمور البسيطة في الحياة الزوجية الخاصة قد يُتغاضى عنها في بعض الأحيان خاصة إذا لم تكن دائمة أو مفرطة.
اعتبر آخرون أن الحديث يعكس جانبًا من جوانب التسامح والمرح في الحياة الزوجية، ولا يجب أن يُفهم منه تشجيعًا على الإسراف أو التقليل من قيمة الطعام.
الخلاصة
يعتبر حديث "لَتَأْكُلِنَّ أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ" من الأحاديث التي تظهر مرونة وتسامح الإسلام في الأمور البسيطة في الحياة الزوجية الخاصة. وعلى الرغم من أن الواقعة تُظهر لحظة من المرح والود بين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لا يجب أن يُفهم منها جواز الإسراف أو العبث بالطعام بشكل عام.