لماذا سأل الله إبراهيم "أَوَلَمْ تُؤْمِن" وهو يعلم أنه مؤمن؟

في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام، نجد مشهداً رائعاً في سورة البقرة، حيث يسأل الله تعالى إبراهيم: "أَوَلَمْ تُؤْمِن" رغم علمه المسبق بإيمان إبراهيم. هذا المشهد يثير تساؤلات عدة حول سبب هذا السؤال وتفاصيله. في هذا المقال، سنستعرض الأسباب التي جعلت الله تعالى يسأل إبراهيم هذا السؤال، وكيفية تفسير هذا المشهد من خلال التفسيرات المختلفة.

النص القرآني والسياق
الآية التي تشير إلى هذا المشهد هي قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" [البقرة: 260]. هنا، طلب إبراهيم عليه السلام من الله أن يريه كيفية إحياء الموتى، فأجابه الله بسؤاله "أَوَلَمْ تُؤْمِن"، فكان رد إبراهيم "بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي".

تفسير السؤال "أَوَلَمْ تُؤْمِن"
التفسير اللغوي والشرعي
السؤال "أَوَلَمْ تُؤْمِنْ" في هذه الآية هو سؤال إيجابي وتقريري، وهو يُظهر تأكيد الإيمان لدى إبراهيم عليه السلام. هذا السؤال لم يكن عن شك في إيمان إبراهيم، بل كان لبيان فائدته في النقاش. كما يوضح ذلك تفسير النسفي والبيضاوي.

النسفي رحمه الله قال إن الله تعالى سأل إبراهيم هذا السؤال ليحصل على جواب مفيد للسامعين، ويظهر كيف أن طلب المعرفة لا يتناقض مع الإيمان، بل يمكن أن يكون وسيلة لزيادة الطمأنينة واليقين. ووفقاً للبيضاوي، فإن الهدف من السؤال هو إظهار أن طلب إبراهيم كان للزيادة في اليقين وليس للتشكيك في قدرات الله.

هدف إبراهيم عليه السلام من السؤال
إبراهيم عليه السلام لم يشكك في قدرة الله على إحياء الموتى، بل أراد أن يشاهد كيفية هذا الإحياء ليرتقي من علم اليقين إلى عين اليقين. كما يوضح القرطبي في تفسيره، إبراهيم طلب مشاهدة كيفية جمع أجزاء الموتى وإحياءهم، وهو طلب لتحقيق طمأنينة القلب وزيادة اليقين.

الفهم الفقهي والحديثي
تفسيرات العلماء
القرطبي: يوضح القرطبي أن إبراهيم عليه السلام كان يسأل عن كيفية الإحياء وليس عن الإيمان بالقدرة الإلهية نفسها. طلبه كان لغرض رؤية العملية بشكل مباشر، وهذا لا ينافي إيمانه بل يعزز يقينه.

ابن عثيمين: أشار الشيخ ابن عثيمين إلى أن الحديث الذي يقول "نحن أحق بالشك من إبراهيم" لا يعني أن إبراهيم كان مشككاً، بل يعني أن إيمان إبراهيم كان أقوى من إيمان الآخرين. فالإمام لم يشك، وإذا كان الشك موجوداً فإن إيمان إبراهيم كان أكثر رسوخاً.

الحديث النبوي
النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: "نحن أحق بالشك من إبراهيم"، وهذا الحديث لا يعني أن إبراهيم كان يشك، بل يؤكد أن إيمانه كان أقوى. فإذا كان الشك في حق الآخرين مرفوضاً، فهو في حق إبراهيم أبعد وأشبه بالنفي.

الخلاصة
سؤال الله لإبراهيم "أَوَلَمْ تُؤْمِنْ" كان لإبراز الفرق بين علم اليقين وعين اليقين ولتأكيد إيمان إبراهيم وتعزيز اليقين عنده. طلب إبراهيم لرؤية كيفية إحياء الموتى لم يكن ناتجاً عن شك بل عن رغبة في زيادة الطمأنينة واليقين.

هذه القصة تعكس كيفية تعامل الأنبياء مع الإيمان، وكيف أن طلب المعرفة لزيادة اليقين لا يتناقض مع الإيمان العميق. كما تظهر أهمية طلب المعرفة في تعزيز الإيمان وتأكيده.









إغلاق
تعليقات الزوار إن التعليقات الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي وفكر إدارة الموقع، بل يتحمل كاتب التعليق مسؤوليتها كاملاً
أضف تعليقك
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
عنوان التعليق  *
نص التعليق  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
رد على تعليق
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
نص الرد  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
 
اسـتفتــاء الأرشيف

كيف تصف تجربتك في التكيف مع الحياة والثقافة الأمريكية؟