الإجماع، كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي، يعتبر أحد الركائز الأساسية في استنباط الأحكام الشرعية. يتسم الإجماع بكونه اتفاق علماء الأمة الإسلامية على حكم معين، ويعدّ حجة ملزمة لا يمكن تجاهلها أو مخالفتها. في هذا المقال، سنتناول الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية التي تؤكد حجية الإجماع وتبرهن على دوره البارز في الشريعة الإسلامية.
الأدلة القرآنية على حجية الإجماع
1. الآية الكريمة من سورة النساء
قال الله تعالى في سورة النساء: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء: 115).
تُظهر هذه الآية بوضوح أن الله سبحانه وتعالى توعد من يتبع غير سبيل المؤمنين بالعذاب، مما يدل على وجوب اتباع سبيل المؤمنين، وهو ما اجتمعوا عليه. وبذلك، يصبح إجماع العلماء حجة يجب الالتزام بها، حيث يشمل هذا الإجماع حكمًا شرعيًا لا يمكن مخالفته.
2. الآية الكريمة من سورة البقرة
قال الله تعالى في سورة البقرة: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة: 143).
يشير شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسيره إلى أن الله جعل الأمة الإسلامية شهودًا على الناس، أي أنهم يشهدون بما يتفق مع الحق. إذا شهدت الأمة على حكم شرعي، فإن هذا الحكم يكون مطابقًا للحق، ويجب الالتزام به. وبناءً على ذلك، فإن إجماع العلماء يعتبر دليلاً شرعياً يجب اتباعه.
3. الآية الكريمة من سورة النساء
قال الله تعالى في سورة النساء: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (النساء: 59).
هذه الآية تدل على أن ما أجمع عليه العلماء من الأحكام لا يحتاج إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة لأن الإجماع يعتبر دليلًا كافيًا. إذا اجتمع العلماء على حكم معين، فإن هذا الحكم يعتبر قاطعًا ومُلزمًا.
الأدلة النبوية على حجية الإجماع
1. حديث ابن عمر
روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الجَمَاعَةِ).
هذا الحديث يشير إلى أن الله لن يترك الأمة الإسلامية تجمع على ضلالة، وأن يد الله تكون مع الجماعة، مما يعني أن الإجماع الذي يكون عليه علماء الأمة لا يمكن أن يكون إلا صوابًا.
2. حديث أنس بن مالك
رواه ابن أبي عاصم عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَجَارَ أُمَّتِي أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ).
يشير هذا الحديث إلى أن الأمة محصنة من أن تجتمع على خطأ أو ضلالة. وبالتالي، فإن ما يجتمع عليه علماء الأمة يكون صحيحًا وملزمًا.
3. أحاديث أخرى عن لزوم جماعة المسلمين
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)، (مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ).