لماذا يعذب الله بعض الأمم في الدنيا؟

من المسائل العقدية والفكرية التي تثير تساؤلات عديدة هي: لماذا يعذب الله بعض الأمم في الدنيا رغم أن الدنيا ليست دار جزاء؟ هذا السؤال ينبع من فرضية أن الدنيا هي دار اختبار محض، وليس فيها جزاء قط، وهي فرضية غير صحيحة وفقاً للنصوص القرآنية والتفسيرات الإسلامية.

الدنيا دار اختبار وجزاء جزئي:
الدنيا هي دار اختبار، ولكنها تحتوي أيضاً على نوع من الجزاء الجزئي الذي يتحقق من خلال العقوبات التي ينزلها الله ببعض الأمم. كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: "الدنيا ليست دار الجزاء التام، وإنما فيها من الجزاء ما تحصل به الحكمة والمصلحة" .

الدلائل القرآنية:
الآيات القرآنية توضح أن الله يعاقب بعض الأمم في الدنيا نتيجة ظلمهم وكفرهم، ولتكون تلك العقوبات عبرة للأمم الأخرى. نورد هنا بعض الآيات التي تدل على ذلك:

الجزاء الدنيوي والآخروي:

قال تعالى:
"لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ" (الرعد/23-24).
"فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ" (الزمر/24).
تحقيق الحكمة والمصلحة:

الله يعاقب بعض الأمم لتكون عبرة لمن يخاف عذاب الآخرة:
"إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ" (هود/100-104).
ويؤخر الله العقوبة لمن شاء لأجل مسمى:
"وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ" (فاطر/45).
الحكمة من تعجيل العقوبة:
تعجيل العقوبة للأمم الهالكة له عدة حكم ومصالح منها:

تعجيل العقوبة للمستحقين:

الله يعجل العقوبة لمن يستحقها دون إمهال كما في قوله: "إِن كُلّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ" (ص/12-14).
عبرة للأمم:

العقوبات تكون عبرة للأمم الأخرى كما في قوله: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" (يوسف/109).
استجابة لدعوة الأنبياء:

أحيانًا تكون العقوبة استجابة لدعوة الأنبياء كما حدث مع نوح: "رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا" (نوح/26-27).
نصرة للمؤمنين:

الله يعجل بالعقوبة لنصرة المؤمنين: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" (الروم/47).
إزالة شرهم وفسادهم:

الله يعجل العقوبة لإزالة الشر والفساد من الأرض: "فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا" (الأنعام/42-45).
الرحمة والعدل:
في كل حالة من العقوبات الدنيوية، يظهر عدل الله ورحمته. فالله قد يعجل العقوبة في الدنيا لأسباب عدة، منها تحقيق العبرة والعظة للبشرية، ونصرة المؤمنين، وإزالة الشر. وأحيانًا يؤجل العقوبة لحكمة يعلمها سبحانه، وقد يعفو، ويمنح مهلة للتوبة والإصلاح.

نلخص القول بأن العقوبات الدنيوية هي جزء من حكمة الله في إدارة الكون، وهي تتسق مع مقاصد الشرع الإسلامي لتحقيق العبرة والعظة، ولإظهار صفات العدل والرحمة.











إغلاق


تعليقات الزوار إن التعليقات الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي وفكر إدارة الموقع، بل يتحمل كاتب التعليق مسؤوليتها كاملاً
أضف تعليقك
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
عنوان التعليق  *
نص التعليق  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
رد على تعليق
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
نص الرد  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
 
اسـتفتــاء الأرشيف

هل سيتخلى ترامب عن مخططه في تهجير مواطني غزة؟