استخدام عبارة "سَبِيلِ اللَّهِ" في الآية الكريمة بدلاً من "سبيلي" أو "سبيلنا" هو من الأساليب البلاغية المميزة في القرآن الكريم، وهو ما يعرف في علم البلاغة بـ"الإظهار في موضع الإضمار". وهذه العبارة تحمل دلالات عظيمة ومقاصد بليغة نوضحها فيما يلي.
تعظيم شأن السبيل
إظهار لفظ الجلالة "الله" بدلاً من الإضمار يعظم من شأن السبيل الموصوف. فذكر "سَبِيلِ اللَّهِ" بدلًا من "سبيلي" يؤكد عظمة هذا السبيل، ويزيد من أهمية اتباعه والابتعاد عن مخالفته. وهذا التعظيم يعزز في نفوس المؤمنين الرغبة في الالتزام بطريق الله ويقوي من عزيمتهم في مواجهة الأهواء والضلالات.
إبراز الفخامة والهيبة
ذكر اسم الله صراحة في السياق يعطي للآية فخامة وهيبة، ويجعل القارئ يدرك جدية الموضوع وأهمية اتباع السبيل الذي حدده الله تعالى. الإظهار هنا يعزز الشعور بأن السبيل المذكور ليس مجرد طريق، بل هو الطريق الذي رسمه الله بنفسه، مما يضاعف من أهمية اتباعه.
الابتعاد عن الأهواء
النهي عن اتباع الهوى يأتي مباشرة بعد ذكر السبيل، وهذا يجعل القارئ يدرك أن مخالفة سبيل الله بسبب اتباع الهوى هو ضلال عظيم. استخدام "سَبِيلِ اللَّهِ" يربط بين السبيل وترك الأهواء بشكل أكثر قوة ووضوحًا، مما يجعل الرسالة أكثر تأثيرًا.
تأكيد التوجيه الإلهي للنبي داوود عليه السلام
في سياق الآية، يخاطب الله نبيه داوود عليه السلام بصفته خليفة في الأرض، ويأمره بالحكم بين الناس بالحق والابتعاد عن الهوى. استخدام "سَبِيلِ اللَّهِ" يعزز من شعور داوود عليه السلام بالمسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقه، ويذكره بأن السبيل الذي يجب اتباعه هو سبيل الله وحده، لا سواه.
التشديد على عاقبة الضلال
في نهاية الآية، يوضح الله عاقبة الذين يضلون عن سبيله، مؤكدًا أن لهم عذابًا شديدًا. استخدام "سَبِيلِ اللَّهِ" هنا يزيد من وضوح هذه العاقبة، ويربط بين الضلال عن السبيل والعذاب الشديد، مما يجعل الرسالة أكثر رهبة وتحذيرًا.
تفسير العلماء للآية
تفسير السعدي
يقول الشيخ السعدي في تفسيره لهذه الآية: "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ تنفذ فيها القضايا الدينية والدنيوية، فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ... وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فتميل مع أحد، لقرابة أو صداقة أو محبة، أو بغض للآخر فَيُضِلَّكَ الهوى عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ويخرجك عن الصراط المستقيم".