تعتبر الآية الكريمة: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) من سورة النجم من الآيات التي تتطلب تفسيرًا دقيقًا لفهم مدى شموليتها لأمور الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى في هذه الآية: أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى.
تفسير السعدي للآية الكريمة
يشرح الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله معنى هذه الآية بقوله: "أي: كل عامل له عمله الحسن والسيئ، فليس له من عمل غيره وسعيهم شيء، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنبا...". ويؤكد السعدي أن الآية تشير إلى أن الإنسان لا يحصل إلا على ما سعى إليه بنفسه، وهذا يتوافق مع العدالة الإلهية.
انتفاع الإنسان بسعي غيره
استدل بعض العلماء بقوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) على أن القُرَب لا تفيد إهداؤها للأحياء أو الأموات؛ لأن الله قال: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ مَا سَعَى). لكن هذا الاستدلال فيه نظر، إذ أن الآية تدل على أن الإنسان لا ينال إلا ما سعى إليه بنفسه، لكنها لا تنفي إمكانية انتفاعه بسعي غيره إذا أهداه له.
سياق الآيات والآخرة
من سياق الآيات، يمكننا أن نستنتج أن الحديث هنا يتركز على يوم القيامة، حيث يُجازى الإنسان على سعيه وعمله. قال تعالى: (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى). وهذا يؤكد أن ما يراه الإنسان من نتائج سعيه سيظهر له في الآخرة.
سعي الإنسان في الدنيا
أما بالنسبة للدنيا، فإن الإنسان يحصل على ما يسعى إليه من خلال العمل والجهد. يمكن للإنسان أن يستفيد من سعي غيره في الدنيا من خلال الهبات والوصايا والإرث. في هذا السياق، نجد أن من يعمل بجد واجتهاد يحصل على ثمرة عمله. قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (الملك/15).
أثر العمل والجد في الحياة الدنيا
تتجلى سنة الله في أن من يعمل ويجتهد يجد ثمرته في الدنيا. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ إِلَى الجَبَلِ فَيَحْتَطِبَ، فَيَبِيعَ، فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ" (رواه البخاري). هذا الحديث يؤكد أن من يسعى ويجتهد في عمله يحصل على رزقه بفضل الله.
البركة والنفع الحقيقي في الدنيا والآخرة
وفي النهاية، يجب أن نذكر أن حصول البركة والنفع الحقيقي والثواب يتطلب الإيمان والاحتساب عند الله. فالأمور الدنيوية تقوم على الأسباب والمسببات، وقد يعطل الله السبب لحكمة يعلمها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ" (رواه أحمد وابن ماجه وحسنه الألباني). لذا، من يجتهد في عمله ويبتعد عن الذنوب، فإنه غالبًا ما يجد ثمرة سعيه في الدنيا والآخرة.