قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (المائدة/101).
من المعاني التي تشملها هذه الآية، هو النهي عن التشدد والتكلف في السؤال عن الأمور التي لم يذكرها الله تعالى بأمر أو نهي. وقد أورد ابن كثير تفسيراً لهذه الآية مفاده أن الأسئلة التي تستأنف ولم تكن محلاً للنص قد تؤدي إلى نزول أحكام جديدة قد تكون مشددة.
وفي حديث أبي هريرة، قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أَيُّهَا النَّاسُ! قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا. فقال رجل: أَكُلَّ عَامٍ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! فسكت، حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ..." (رواه مسلم).
معرفة المحرمات الشرعية:
المحرمات الشرعية لا تُعرف فقط من خلال النصوص المباشرة في القرآن أو السنة، بل يمكن معرفتها من خلال الاجتهاد والاستنباط. هذا الاجتهاد يعد واجباً على أهل العلم لفهم الأحكام الشرعية بشكل دقيق.
يقول الإمام الشافعي: "فجماع ما أبان الله لخلقه في كتابه... من وجوه. منها: ما أبانه لخلقه نصاً... ومنه: ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم... ومنه: ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه...".
وبهذا، فإن المحرمات التي تدرك بالاجتهاد والاستنباط تعتبر مما ذكره الشرع، وليست من الأمور المسكوت عنها.
درجات المحرمات:
تختلف درجات المحرمات التي تُدرك بالاجتهاد والاستنباط:
المحرمات المجمع عليها: وهي التي أجمع أهل العلم على حرمتها، وتكون قوتها كقوة المنصوص عليها.
المحرمات المختلف فيها: وهي التي لم يتفق أهل العلم على حرمتها. في هذه الحالة، تكون حرمتها أقل درجة وأخف من المحرمات المنصوص عليها.
يقول ابن قدامة في "المغني" بعد تقريره أن خروج الدم الكثير ينقض الوضوء على مذهب الإمام أحمد: "الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ كَالدَّمِ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَأَسْهَلُ وَأَخَفُّ مِنْهُ حُكْمًا".
وفي النهاية، يجب التمييز بين المسائل المستنبطة والمجتهد فيها والمسائل المنصوص عليها. حيث لا يشدد النكير في المسائل المستنبطة والمجتهد فيها ما يشدد في مخالفة المنصوص عليها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها...".
وبهذا، يتضح أن ارتكاب المحظورات غير المنصوص عليها بشكل مباشر قد يكون أخف من ارتكاب المحظورات المنصوص عليها، خاصة في حالة عدم الإجماع على حرمتها.