شهد العمل الإغاثي منذ بداية الأحداث في غزة نشاطاً وتوسعاً بكافة أشكاله، سواء من قِبَل فرق عمل المؤسسات الدولية والمحلية، أو المجموعات الشبابية الفردية ومتطوعيها، وذلك بهدف واحدِ وهو تخفيف معاناة النازحين تحت وطأة الموت والخوف والتشرد والجوع والعطش بكافة الوسائل المتاحة، وبعض الأفكار الإبداعية لمواجهة مشكلات غلق المعابر، وجشع التجار المحليين، ونقص المواد وندرة العملة.
ورغم المخاطر الميدانية وتكرار النزوح تواجد رجال العمل الخيري في قلب غزة شمالاً ووسطاً وجنوباً، يبثون الأمل والبسمة بين طيات أكياس المساعدات والعاب الأطفال التي يوزعونها في الطرقات والمستشفيات، وبين الركام وعلى الأنقاض، وفي وسط الخيام وساحات مراكز الإيواء!
تفاقم الأوضاع وكارثيتها على مدار ما يقارب عامان من الحرب، وضع على عاتق المؤسسات الإغاثية دوراً أكبر لمواجهة التحديات لإيصال التبرعات في شكل مساعدات ضرورية أصبح الاحتياج إليها الآن أكثر من أي وقت مضى، ويكون هذا من خلال رجال العمل الإنساني في قلب غزة والذين عملوا على قلب رجل واحد رغم أن أكثر من 280 من هؤلاء الأبطال فقدوا حياتهم، وهم يحاولون إيصال المساعدات خاصة مع محاولات الاستيلاء على شاحنات المساعدات واستهداف فرق تأمينها، وبضرورة استمرار العمل الميداني مهما كانت الظروف.. ومهما كان الفقيد!
رغم التحديات ... لكل مشكلة حل!
"لايف للإغاثة والتنمية" والتي تعمل في غزة منذ 21 عاماً عبر 3 مكاتب لها في غزة والضفة الغربية كان لها دور بارز في قلب الأحداث، وظهرت سيارات إسعافها وخيامها بعفوية على شاشات قناة الجزيرة خلال البث المباشر وتقارير المراسلين، ولم يخف على الجميع ما واجهه رجالها على الأرض من التحديات والتي تغلبوا عليها بفضل تضافر جهود فريقها الإداري والتنفيذي في أميركا ومصر والأردن لتوفير طلبات واحتياجات فريقها في قلب القطاع.
فقد عمل رجال العمل الإغاثي للايف في بداية الحرب على توفير المساعدات كغيرها من المؤسسات من السوق المحلي حتى نفذت وحدث تدمير كامل لمخزنها في غزة، فقامت بإرسال المساعدات عبر مكتبها في الضفة الغربية بالتنسيق مع المتطوعين والشركاء، ومع زيادة الاحتياج استوجب التدخل السريع والتنسيق مع السلطات المصرية لإنشاء مخازن مؤقتة في مصر والعمل من هناك لإرسال المساعدات الغذائية والطبية ومستلزمات الايواء.
كما واجه الفريق عدم توافر المواد الغذائية والدوائية بالكميات المطلوبة في أسرع وقت، ومع الاغلاق الكلي لمعبر رفح تدخل فريق "لايف" الأردن بنشاط خاص بالتنسيق اللوجستي مع الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، ومن خلال العمل من عدة معابر تم تغطية كافة مناطق قطاع غزة بما يحتاج ليغطي الاحتياجات الطبية كاملة ومستلزمات العمليات والأدوية لـ 3 مستشفيات هناك، بالإضافة لكافة المساعدات الغذائية ومستلزمات النظافة والعناية الشخصية، والخضراوات الطازجة والمعلبات، واحتياجات الحليب والغذاء المدعم بالفيتامينات للأطفال.
خيام "لايف" لحماية أروح النازحين
وكان العمل في هذه الظروف هو الأشد قسوة مقارنة بعمل رجال الإغاثة خلال 20 سنة مضت، فقد اقتضت ظروفهم تفرقهم عن أسرهم في أكثر اللحظات احتياجاً إليهم، خاصة مع بدء انتشار لمجاعة، فهؤلاء الرجال يعملون في مجال توزيع المساعدات جنوباً وأهلهم ممن تركوهم في الشمال يموتون جوعا، ورغم ذلك لا يتركون رسالتهم الإنسانية رغم المخاطرة العالية خلال التنقل بين مناطق القطاع لتأدية العمل الميدانيّ لتغطية احتياجات القطاع بالكامل رغم القصف المستمر.
وقد كان فريق "لايف" في غزة يواجه تحدياً بضعف خامات خيام النازحين، لكنهم تغلبوا على ذلك من خلال طلب تصنيعها في تركيا من مادة PVC المضادة للنار للحفاظ على أرواح النازحين، ولحماية الأطفال من البرودة والرطوبة وأمطار الشتاء، وتخفف عن النساء وطأة حر الشمس بحجابهم طوال النهار بخامتها العازلة للحرارة، ثم شحنها بحراً إلى مصر ومرورها إلى غزة ليسكن في " مخيم لايف النظامي" 29.000 أسرة، وتم عمل صيدلية في كل مخيم ودورات مياه وتوفير مستلزمات الكرامة لنسائهن، وتوفير ألواح الطاقة الشمسية وأفران الطين للطهي، وخيام تعليمية للمرحلة الابتدائية والإعدادية أشرف عليها فريق لاف.
كثرة المناشدات تؤجج الشبهات!
وقد كان الأشد ألماً لفرق الإغاثة هذه المناشدات التي تأتي من مراكز الايواء المختلفة ومخيمات النزوح بعدما يرون مساعدات "لايف" على الأرض، لكن للأسف هناك تحديّات كثيرة تؤدي إلى عدم وصول رجال العمل الإغاثي لكافة الفئات المتعففة، فلا يستطيعون تغطية احتياجات 2 مليون غزاوي! وعليه فقد يعتمل في صدور الناس شُبهة التوزيع غير العادل، أو المحسوبية خاصة وأن توثيق العمل الخيري ليس بالأمر السهل مع تعفف أهل غزة! فأصبحت الأولوية القصوى والاحتياج الأكبر هي مناطق عمل فرق "لايف".
كما كان افتتاح أكاديمية "لايف" التعليمية من أكبر التحديات التي تغلب عليها الفريق والتي ضمت 1600 طفل من أيتام القطاع والذين كانوا بحاجة لتوفير بيئة تعليمية آمنة، ودعمهم النفسي لتخفيف آثار الحرب على قلوبهم الصغيرة من خلال متخصصين مؤهلين للتعامل مع صدمات ما بعد الفقد.
رمضان والأضحى ... فرصة لتمحو الضحكات بعضاً من الألم!
عمل فريق "لايف" في رمضان على مشروعات استثنائية رغم استمرار الحرب من خلال طهي وتوزيع الوجبات الساخنة في شمال القطاع خاصة، كما قدم حفل العيد لألف طفل أقاموا خلالها المسابقات ووزعوا الحلوى والألعاب لبث روح البهجة، وكانت قد دخلت شاحنة الطحين عبر معابر الأردن فتم صنع كعك العيد والبيتزا وعمل الخبز لصنع الشاويرما وتوزيعها على الأطفال في المخيمات ومراكز الإيواء!
ولم يركن الفريق إلى أنه لا توجد أضاحي للعيد في غزة مناسبة كذبائح، فعملوا على شرائها وذبحها في الهند، وسيتم شحنها معلبة إلى غزة ومشاركة الأطفال والنازحين فرحة لحظات طهيها في وجبات طازجة وتناولها سوياً في مشهد يجسد فن صناعة الخير بدوره الإنساني الحقيقي!
كما عمد رجال الإغاثة على إعادة تشغيل الآبار ومحطات تحلية مياه الشرب بالتوازي مع توزيع زجاجات المياه.