في مدينة أزمور، وخلال يومي 23 و24 نونبر 2024، شهد المغرب حدثًا استثنائيًا يعكس عمق الانتماء الوطني وحرص الفاعلين الحقوقيين على تعزيز قيم المواطنة وحماية المال العام، حيث انعقد المؤتمر الوطني الثالث للهيئة المغربية لحماية المواطنة والمال العام تحت شعار يعبّر عن الالتزام بالثوابت الوطنية وتجديد الخطاب السياسي من أجل الوحدة الوطنية ومحاربة الفساد. وقد حظي هذا الحدث بحضور واسع لشخصيات وطنية ودولية من مختلف المجالات السياسية والحقوقية والإعلامية، مما أضاف له زخمًا خاصًا وأبرز مكانة الهيئة كركيزة أساسية في المشهد الحقوقي المغربي.
افتُتح المؤتمر بندوة علمية حملت عنوان "تجديد الخطاب السياسي وفن التعايش"، وهو ما أتاح فرصة للنقاش العميق حول قضايا حيوية تتعلق بتطوير العمل الحقوقي والسياسي لمواكبة التحولات الوطنية والدولية. وقد تركزت النقاشات على الدفاع عن القضية الوطنية الأولى، حيث شدد المشاركون على أهمية الترافع حول مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع المفتعل بالأقاليم الجنوبية، مع التأكيد على ضرورة مواجهة الخطابات المغرضة من خلال التعريف بالموقف المغربي العادل على المستوى الدولي. ولم يكتف المؤتمر بتناول القضايا الوطنية، بل حمل أيضًا رسائل عميقة تدعو إلى التسامح ونبذ الفتن، محذرًا من محاولات استهداف الجمعيات الحقوقية عبر مشاريع قوانين تضيق الخناق عليها، وهو ما يتعارض مع دستور 2011 والتوجيهات الملكية السامية.
ولم تغب القضايا الاجتماعية والاقتصادية عن جدول أعمال المؤتمر، حيث خلص المشاركون إلى توصيات شاملة تستهدف تعزيز الترافع حول الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ومحاربة الفساد وحماية المال العام. وقد تم التركيز على تحسين جودة الخدمات في قطاعي الصحة والتعليم باعتبارهما أولوية وطنية ملحة، إلى جانب المطالبة بإعادة تشغيل مصفاة "لاسامير" لتعزيز السيادة الطاقية وتحقيق التوازن الاقتصادي.
وفي إطار التقييم الداخلي، تمت مناقشة التقريرين المالي والأدبي للهيئة في جو اتسم بالنقاش المسؤول والبناء، مما أفضى إلى تعديلات هامة على القانون الأساسي للهيئة لتتوافق مع متطلبات المرحلة الراهنة، وشملت هذه التعديلات إنشاء مجالس جهوية مستقلة بهدف تعزيز فعالية الأداء المحلي وتحقيق الحوكمة الرشيدة.
وقد اختُتم المؤتمر بتجديد الثقة في السيد عبد الجبار فطيش أمينًا عامًا للهيئة، وتأكيدًا على تشبث الهيئة بالثوابت الوطنية، رفعت برقية ولاء وإخلاص إلى جلالة الملك محمد السادس نصره الله، مُعلنة التزامها الراسخ بدعم المبادرات الملكية الرامية إلى تعزيز مكانة المغرب إقليميًا ودوليًا، مع تجديد عزمها على الإسهام في بناء دولة الحق والقانون.
لقد شكل هذا المؤتمر فرصة فريدة لتجديد الالتزام الوطني وتأكيد الرؤية الحقوقية المتجددة التي تجمع بين الثوابت والعمل الجاد لمواجهة التحديات. وقد جاءت رسائله قوية وصادقة، موجهة إلى الداخل والخارج، لتؤكد أن الهيئة المغربية لحماية المواطنة والمال العام ستظل صوتًا شجاعًا ومدافعًا مخلصًا عن الحقوق الوطنية والإنسانية بكل حزم ومسؤولية.