تواجه بعض الأسر تحديات مالية عندما تتطلب الحالات الطبية المتعلقة بالجنين تدخلاً جراحيًا مكلفًا. وفي حالة عدم القدرة على توفير المبلغ المطلوب، يطرح العديد من الآباء تساؤلات حول مدى مسؤوليتهم الدينية والإثم المحتمل في حال عدم قدرتهم على تحمل التكاليف.
التوجيه الشرعي في حالة العجز عن العلاج
في الإسلام، يُعتبر الشخص معذورًا إذا لم يتمكن من توفير العلاج بسبب العجز المالي. يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. هذه الآية تحمل معنىً واضحًا ولطيفًا، حيث تدل على أن الله لا يكلف عباده فوق طاقتهم. وقد أوضح المفسرون أن هذه الرحمة الإلهية تُظهر اللطف والرأفة التي يتعامل بها الله مع خلقه.
هل يتحمل الوالدان إثمًا لعدم القدرة على توفير العلاج؟
في حال عجز الوالدين عن تغطية تكاليف العملية الطبية المرتفعة للجنين بعد بذل كل ما في وسعهما من محاولات للحصول على الدعم من المستشفيات أو المؤسسات الخيرية، فإنهما لا يتحملان أي إثم في هذا الشأن. فالله -سبحانه وتعالى- يعلم قدراتهم وأوضاعهم، ويأخذ بالأسباب التي قدموها من أجل صحة الجنين.
دور الجهود المادية والمعنوية في رفع الحرج الشرعي
من الضروري أن يكون الوالدان قد بذلا ما في وسعهما، مثل مراجعة عدة مستشفيات حكومية ومحاولة الحصول على دعم مالي من مؤسسات أو جهات خيرية. إذا كان العائق الوحيد هو عدم القدرة على دفع التكاليف رغم المحاولات المتكررة، فلا لوم عليهما من الناحية الشرعية، لأن التقصير هنا ليس من قِبلهما، وإنما بسبب عجز مادي خارج عن إرادتهما.
رحمة الله بالعباد وتخفيف الأعباء الشرعية
تؤكد الشريعة الإسلامية على التخفيف عن العباد والرحمة بهم، وهذا يتجلى في عدم إلزام المكلفين بما يعجزون عنه. قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية، مشيرًا إلى أن الله لا يكلف أي شخص فوق طاقته، وهذه الرحمة تأتي كإحسان من الله على عباده، وتخفيف عليهم في الحالات التي يتجاوز فيها الأمر إمكانياتهم وقدراتهم.
التوجيهات الإسلامية للأهل في حالة العجز عن العلاج
في حال واجه الوالدان وضعًا مشابهًا، ينصح بأن يضعوا توكلهم على الله ويقوموا بدعاء لحفظ الجنين واستكمال الحمل بسلام، إضافة إلى الاجتهاد في البحث عن سبل الدعم. يمكن أن تكون هذه الأزمة بمثابة اختبار لصبرهم وإيمانهم برحمة الله وعدله، وفي النهاية، الأمر كله بيد الله.
الخاتمة: حكم الشرع في حال العجز عن العلاج المكلف للجنين
بناءً على ما سبق، لا يتحمل الوالدان إثمًا إذا بذلا جهودهما ولم يتمكنا من توفير العلاج للجنين بسبب العجز المالي. يُذكر أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، مما يجعل الشريعة الإسلامية داعمة للأبناء والآباء على حد سواء في مواجهة التحديات المادية والمعنوية، وتعزز من فكرة أن الله يعلم ما في القلوب من نوايا وجهود، ويجازي عباده بناءً على مقدرتهم وظروفهم.