في الشريعة الإسلامية، يمتلك الإنسان الحرية الكاملة في التصرف في أمواله وممتلكاته خلال حياته ما دام في صحة ورشد، وقد أباح الفقهاء للأب أن يتصرف في ماله كيفما يشاء، سواء كان ذلك ببيعه أو هبته أو التصدق به. ولكن يبقى السؤال الأهم، ما هو حكم الشريعة إذا قرر الأب أن يهدي أرضًا يملكها لصديقه في حين أن أبناءه بحاجة إلى هذه الأرض؟
في الواقع، الفقه الإسلامي لا يمنع الأب من التصرف في ماله كيفما يشاء، بما في ذلك إهداء ممتلكاته لصديقه، حتى لو كان أبناؤه في حاجة لتلك الممتلكات. فهذا التصرف يعتبر ضمن حقوقه المالية التي كفلها له الشرع. ومع ذلك، يجب على الأب أن يكون واعيًا للعواقب الاجتماعية والأسرية التي قد تنجم عن هذا القرار.
التصرف الشرعي في الأموال والهبات:
بحسب النصوص الشرعية، يُلزَم الأب بالإنفاق على أبنائه إذا كانوا بحاجة إلى الدعم المادي، ولا يملكون ما يكفي من المال لسد حاجاتهم الأساسية مثل الطعام والملبس والمسكن. لكن عندما يتعلق الأمر بالهبات، فلا يوجد إلزام شرعي على الأب بأن يهب أمواله أو ممتلكاته لأبنائه بدلاً من صديقه، إذا كان قد رأى أن ذلك من مصلحته.
ومع ذلك، ينبغي الإشارة إلى أن تقديم الهبة للأبناء أو الاحتفاظ بالأرض لصالحهم يعد من الأعمال الأكثر بركة والأعظم أجرًا، خاصة إذا كان الأبناء في حاجة ماسة لهذا المال أو العقار. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس".
النصيحة المثلى في هذا التصرف:
يجب على الأب أن ينظر بعين الحكمة والتروي قبل اتخاذ قرار بإهداء ممتلكاته، خصوصًا إذا كان هناك حاجة ملحة لدى أبنائه لهذه الممتلكات. فالوفاء بحقوق الأبناء ورعايتهم مادياً ومعنوياً مقدم على إرضاء الآخرين، حتى لو كانوا أصدقاء مقربين. إن توازن الأب بين حقه في التصرف في ماله وبين احتياجات أسرته هو الأسلوب الأمثل الذي يضمن له الرضا في الدنيا والأجر في الآخرة.
الخاتمة:
ختامًا، التصرف في الأموال والهبات أمر يعود للشخص نفسه في إطار ما أباحه الشرع. ولكن يجب دائمًا مراعاة الأولويات الأسرية والمصالح العامة قبل اتخاذ مثل هذه القرارات، لكيلا تؤدي إلى نزاعات أو مشكلات مستقبلية. الاهتمام بمصلحة الأبناء وضمان استقرارهم المادي هو الأفضل في معظم الأحيان، وهو ما يضمن للأب الرضا ويجنب الأسرة مشاعر الظلم أو الغبن.