من الناحية الشرعية، ليس هناك مانع من دعاء الله تعالى لرؤية النبي محمد ﷺ في المنام، شوقًا لرؤيته ﷺ وتعظيمًا لشأنه. فقد جاء في الحديث النبوي الصحيح أن رؤية النبي ﷺ في المنام هي رؤية صادقة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي" (رواه البخاري 6994، ومسلم 2266). وقد أضاف البخاري في رواية أخرى: "إذا رآه في صورته".
قيود على طلب الرؤيا للأغراض الدينية والدنيوية
رغم جواز الدعاء لرؤية النبي ﷺ في المنام، إلا أن استخدام هذه الرؤى لأغراض دينية أو دنيوية قد يكون غير مناسب، خاصة إذا كان الهدف هو الحصول على إرشادات دينية أو أحكام شرعية. هناك عدة نقاط يجب مراعاتها:
استدلال الأحكام الشرعية: الدين الإسلامي يشدد على أخذ الأحكام الشرعية من النصوص الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وليس من المنامات. كما قال الله تعالى: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (النحل/43). فالأحكام الشرعية يجب أن تؤخذ من العلماء الثقات والمصادر الشرعية الموثوقة.
المنامات لا تعطي أحكامًا شرعية: ليس من الصحيح استخدام المنامات لتحديد الأحكام الشرعية أو الأمور الدينية. كما ذكر أبو الوليد ابن رشد: "وأما الحكم الذي شهد عنده عدلان مشهوران بالعدالة، فلا يحل له أن يترك الحكم بما شهدا به عنده، لما رأه في منامه" (مسائل ابن رشد 1/ 533). وهذا يشير إلى أنه لا يمكن الاعتماد على الرؤى في إبطال أو تأكيد الأحكام الشرعية.
احتمال تلبيس الشيطان: هناك خطر أن يأتي الشيطان في صورة النبي ﷺ في المنام ليضل الإنسان، كما حصل مع بعض الضالين. فقد حذر العلماء من أن الشيطان قد يلبس على الناس في المنامات ويعطيهم أجوبة باطلة. وهذا ما أكدته الشاطبي بقوله: "وأضعف هؤلاء احتجاجا قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المنامات" (الاعتصام 1/ 331).
رؤية النبي ﷺ وإرشاده في المنامات
رؤية النبي ﷺ في المنام هي نعمة ومكرمة، لكنها لا تُستخدم كوسيلة لتلقي الأحكام الشرعية. كما أن رؤية النبي ﷺ في المنام قد تكون ذات قيمة معنوية، ولكنها لا تؤثر على الأحكام الشرعية أو التوجيهات في الدين. وفي هذا الصدد، قال النووي: "ليس هذا الذي ذكرناه مخالفا لقوله صلى الله عليه وسلم: 'من رآني في المنام فقد رآني'، فإن معنى الحديث أن رؤيته صحيحة وليست من أضغاث الأحلام" (شرح مسلم 1/ 115).
التمسك بالكتاب والسنة
السبيل الأفضل لمعرفة الأحكام الشرعية والتوجيهات هو التمسك بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ، والرجوع إلى أهل العلم. كما قال النبي ﷺ: "فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ" (رواه أبو داود 4607). وهذا يوجهنا إلى أهمية الاعتماد على المصادر الشرعية الموثوقة وعدم الاعتماد على المنامات في مسائل الدين.