كتب: خالد عبدالحميد مصطفى
في عام 2025، تقف مصر عند مُفترق طرق حاسم في تاريخها الحديث، تتجاذبها تحديات السياسة، وتحوّلات الإقتصاد، وتغيُّرات المجتمع. إنها لحظة تستحق التأمل، حيث تتقاطع المسارات الثلاثة—السياسي، والإقتصادي، والإجتماعي—في لوحة مُعقّدة ترسم ملامح الحاضر وتفتح باباً نحو مستقبل يتوقف على ما يُتخذ اليوم من قرارات وما يُبذل من جهود.
هذه القراءة المتقاطعة ليست إستعراضاً سطحياً، بل محاولة لفهم المشهد المصري من زوايا ثلاث متداخلة، تكشف خيوط التأثير المتبادل بين سلطة القرار، وحراك السوق، ووجدان الشعب.
أولاً : المشهد السياسي – إستقرار تحت المراقبة"
شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة حالة من الإستقرار النسبي في مؤسسات الدولة، وهو إستقرار يراه البعض ضرورياً في ظل التحديات الأمنية والإقليمية المحيطة، لا سيّما مع إستمرار الصراعات في بعض دول الجوار.
لكن عام 2025 يأتي في ظل إقتراب إستحقاقات سياسية مهمة، أبرزها الإنتخابات البرلمانية، والتي تمثل إختباراً حقيقياً لمساحة المشاركة السياسية ومدى جدية التعددية الحزبية.
ورغم أن المعارضة تواجه بعض القيود، إلا أن هناك محاولات لإعادة تفعيل دورها من خلال منابر إعلامية ومجتمعية بدأت في العودة التدريجية للساحة.
وفي الجانب الخارجي، يبرز الدور المصري في الملف الفلسطيني، لا سيما في حرب غزة، حيث لعبت مصر دور الوسيط الدائم والموقف الثابت، في وقت بدت فيه بعض الأنظمة العربية وكأنها إنسحبت من مسؤولياتها التاريخية.
في ملف حقوق الإنسان، هناك جهود تجميلية تُبذل لتحسين الصورة الخارجية، لكن يبقى المواطن المصري في الداخل بحاجة إلى مساحة أكبر من الحريات، ومُناخ أوسع للنقد البنّاء.
ثانياً : الإقتصاد المصري – إصلاحات موجعة وطموحات مؤجلة"
الإقتصاد المصري في 2025 لا يزال يعاني من آثار الأزمات العالمية كجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، والأحداث العالمية الأخرى مثل الحروب الأمريكية الباردة والإقتصادية التي أعلنتها صراحة علي العالم، حيث إنعكس ذلك سلباً على مستوى معيشة المواطن.
رغم هذه التحديات، فإن الحكومة سعت إلى إطلاق عدد من المبادرات والمشروعات الضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وتوسيع البنية التحتية، ومبادرات التمويل العقاري، ومجال الطاقة المتجددة.وشبكات الطرق الحديثة، وتوسيع رقعة المساحات الخضراء..
لكن الإنتقادات توجه لهذه المشروعات بإعتبارها لا تُعالج جذور الفقر، حتي الآن حتى وإن كان ثمارها في المستقبل القريب بإذن الله.
في المقابل، يُلاحظ إهتمام متزايد بالتحول الرقمي، وتسهيل بيئة الإستثمار، والإتجاه نحو التصنيع المحلي كوسيلة لتقليل الواردات، وهي خطوات إيجابية تحتاج إلى وقت وإستقرار حتى تظهر نتائجها الفعلية.
ويظل القطاع غير الرسمي، الذي يمثل أكثر من 40% من الإقتصاد المصري، بحاجة إلى دمج ذكي في المنظومة الرسمية، دون إفقاره أو إخضاعه للبيروقراطية التي تهدد إستمراريته.
ثالثاً : المجتمع المصري – صراع بين الإرهاق والأمل"
المجتمع المصري في 2025 يشهد تغيّرات بنيوية، أبرزها تزايد نسبة الشباب في مقابل إنخفاض نسبي في معدلات البطالة المُعلنة، لكن مع بقاء مستويات الفقر مرتفعة، ووجود ملايين من العمالة غير المستقرة.
قضايا مثل الهجرة، والعزوف عن الزواج، وإرتفاع نسب الطلاق، وتراجع جودة التعليم، أصبحت مؤشرات على توتر إجتماعي يتطلب معالجة جذرية، وليس فقط عبر المبادرات الإعلامية أو الموسمية.
من جانب آخر، هناك وعي مجتمعي بدأ يتشكل من خلال وسائل التواصل الإجتماعي، حيث باتت شرائح واسعة أكثر قدرة على التعبير، وإن كانت بشكل غير منظم. كذلك، شهدت مصر إزدياداً ملحوظاً في المشاركة النسائية في العمل العام، وفي نشاطات المجتمع المدني.
ومع إطلاق مبادرات مثل "حياة كريمة" و"تكافل وكرامة"، بدأ المواطن يشعر ببعض الإستجابة الحكومية لإحتياجاته، لكنها لا تزال محصورة جغرافياً ولا تكفي لتغطية الإحتياجات في المدن الكبرى والمناطق العشوائية.
ختاماً : نحو مستقبل متوازن"
مصر 2025 ليست في أزمة خانقة ولا في إزدهار شامل، بل هي في مرحلة إنتقالية دقيقة تتطلب إدراكاً وطنياً حقيقياً بأن السياسة لا تنفصل عن الإقتصاد، وأن الإقتصاد لا ينمو بمعزل عن إستقرار إجتماعي شامل.
مفتاح المرحلة المقبلة هو: الحوار—الحوار بين السلطة والمعارضة، بين الدولة والمجتمع، بين الماضي والمستقبل. فقط حين نتحرّك كأُمّة واحدة، تستوعب طاقاتها وتوظف مواردها وتحترم تنوعها، يمكن أن تتحوّل مصر من دولة تواجه التحديات إلى دولة تصنع مستقبلها بوعي وإقتدار.