نحاول ان نضع لمساتٍ بلاغية من خلال تصويرنا المعنى المعبق بين حرفين مقدسين وهما ( أم ) من خلال المجازات والاستعارات البلاغية التي تجسد قداسة ومكانة الأم في الثقافة العربية الإسلامية.
تمثل الأم في الثقافة العربية والإسلامية رمزًا للعطاء والتضحية والرحمة اللامتناهية،
إن فكرة "الأم بين حرفين مقدسين" تستند إلى تأمل عميق في المفردات والتراكيب اللغوية التي تصف الأم وعلاقتها بالإنسان والحياة. فالأم في اللغة العربية كلمة موجزة تتكون من حرفين فقط، لكنها تحمل معاني عميقة ودلالات واسعة، وترتبط بمفاهيم القداسة والتبجيل في الثقافة العربية والإسلامية
لقد خص القرآن الكريم الأم بمكانة عظيمة واهتمام بالغ، وجاءت الآيات القرآنية لتصور هذه المكانة من خلال أساليب بلاغية متنوعة. ومن أبرز الآيات التي تتناول موضوع الأم قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: 14].
تتجلى في هذه الآية بلاغة القرآن في تصوير معاناة الأم أثناء الحمل والولادة والرضاعة، من خلال عبارة "وهنًا على وهن" التي تمثل استعارة بليغة تصور ضعف الأم المتزايد أثناء الحمل. كما استخدم القرآن الكريم أسلوب التفصيل بعد الإجمال في قوله "ووصينا الإنسان بوالديه" ثم فصّل دور الأم بصورة خاصة، مما يعكس تميّز مكانتها واختصاصها بمزيد من التكريم.
وفي آية أخرى، يقول تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: 15].
نلاحظ في هذه الآية استخدام المقابلة البلاغية بين "حملته كرهًا" و"وضعته كرهًا"، مما يعكس حجم المعاناة التي تتحملها الأم خلال فترة الحمل والولادة. كما استخدم القرآن لفظ "كرهًا" للدلالة على المشقة والألم، وهو مجاز مرسل علاقته السببية، حيث عبّر عن الألم والمشقة بالكره.
وفي السنه النبوية الشريفة للأم حظا وافرا في اقوال الرسول صلى الله عليه وسلم
إذ وردت أحاديث نبوية كثيرة تؤكد مكانة الأم العظيمة، ومن أشهرها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك" (متفق عليه).
يمثل هذا الحديث قمة البلاغة النبوية في إبراز مكانة الأم، حيث استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب التكرار ثلاث مرات "أمك، أمك، أمك" لتأكيد أولوية الأم في البر والإحسان. ويعد هذا التكرار من أساليب التوكيد البلاغية التي تثبت المعنى في النفس وتزيده قوة ورسوخًا.
كما استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب التدرج في الإجابة، حيث ذكر الأم ثلاث مرات متتالية ثم ذكر الأب، مما يوحي بأن للأم ثلاثة أضعاف حق الأب في البر والإحسان. وهذا التدرج يعكس أسلوبًا بلاغيًا يعتمد على تقسيم الحقوق بصورة متناسبة مع حجم التضحيات والمعاناة.
واذا ننتقل الى رؤية الشعراء لها فنجد أنها
حظيت بمكانة عالية في الشعر العربي القديم، وتغنى الشعراء بفضلها وعظمة عطائها. ومن أجمل ما قيل في الأم قول الشاعر المتنبي:
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ** فأهون ما يمر به الوحول
ومن تؤذه الأسنة والقنا ** فما لجرح بميت إيلام