مما لا شك فيه أن القوي دائماً ما يفرض كلمته على الضعيف، يسيطر على مقدراته، يؤثر فى ثقافته بل وأحياناً في تطلعاته
كلمة الديموقراطية من الكلمات الرنانة التي أصبحنا نسمعها آناء الليل وأطراف النهار، على التلفاز، نشرات الأخبار وأيضاً السوشيال ميديا، كلمة لها رونقها، تبدو كأنها مصطلح معقد لو ذُكرت أمامك من شخص، في الغالب ستشهد له بالثقافة والعمق!!
ما معني تلك الكلمة ومن أين جاءت علينا ؟
الديموقراطيه هي
نظام سياسي، أو نظام لصنع القرار داخل مؤسسة أو منظمة أو بلد، يتمتع فيه جميع الأعضاء بحصة متساوية من السلطة.
كلام كبير وعميق فعلاً ولكن سنحاول توضيحه،
بمعني ابسط وأسهل الديموقراطية هي حكم الشعب،
لو اجتمعت الأغلبية على حكم ما أو تشريع ما في عرف الديموقراطية فهو قانوني وواجب النفاذ
متي أتت الديموقراطية ؟
الديموقراطيه مصطلح قديم يرجع لقبل الميلاد أثناء تكوين الجمهورية الرومانية عام 509 قبل الميلاد ولكن التأسيس القانوني وبداية معرفة دول العالم كله وتطبيق ذلك النظام كان بعد إعلان ميثاق الأمم المتحدة وتكوين منظمات العالم المدني عقب الحرب العالمية الثانية ١٩٤٧
..لكن هل فعلاً تم تأسيس الديموقراطية كي تكون في مصلحة الشعوب وخلاص العالم ؟
الإجابة فى النظرة المتمحصة للعالم نفسه الذي أطلق قاداته علي أنفسهم منذ القرن الماضى زعماء ديموقراطيين، بدي كل منهم زعيم يرضخ لقرار الأغلبية، يلتزم بالقانون بل ويطبق هذا الميثاق على نفسه أولا لكن فى الحقيقة لم نري أي شيء من هذا، وجدنا شعوب ترفض الحروب ولكن قادتها الديموقراطيين ضربوا برأي شعوبهم عرض الحائط ودخلوا حروب طويلة سواء لمكاسب مادية أو دينية، هل وافق الشعب الفرنسي وبارك غزوات حكوماته الديمواقراطية فى الشرق، هل فرحوا بحملة بونابرت على مصر فى القرن الثامن عشر والتاسع عشر؟
هل كل الإنجليز راضيين تماماً عن استعمار بلادهم للعالم العربي وتقسيم ثرواته ؟
هل وافق الشعب الامريكي وكان سعيداً عندما كلف جورج بوش خزائن الدولة الملايين لغزو العراق ٢٠٠٤، هل نزل لرأي الشعب؟ الذي كان واضح أن اغلبيته ضد القرار ( بالطبع كان هناك واجهة تسمي الكونجرس لتمرير القرار ديموقراطيا كي يتماشي مع ميثاقهم المزعوم)
لكن في النهاية تم الغزو لتحقيق أهدافهم ومصالحهم !!
إن الديموقراطية هى كلمة ابتدعها الغرب ولم يلتزم بها من الأصل، صدّرها للشرق وأقنع بل ألزم بها دول العالم الثالث، أخذ يعادي و يوالي من أجلها، تُفرض العقوبات على الدولة الفلانية لأنها غير ملتزمة بالنهج الديموقراطي !! يتم توقيف الرئيس العلاني لأنه بعيد عن الديموقراطية !! تخيل يفرضوا علينا مباديء لن يلتزموا بها من الأساس ..!!
الديمواقراطية هي كلمة اخترعها الغرب للتحايل على الكثير من الظروف وفق أهوائهم وهي أيضاً لا تصب في صالح المجتمعات ... ولكنها في رأيي قد غُلفت بذلك الغلاف البراق لخدمة مصالح وايدولوجيات الغرب وإلا فهل سمع نتنياهو رأي الشعب الإسرائيلي فى وقف حرب غزة
أعلن السكان ضيقهم من تلك الحرب وغضبهم بسبب الذهاب كل مرة إلي الملاجيء بل وقفوا وقفات احتجاجية من أجل وقف الحرب واستعادة الأسري ولكن مصلحة نتنياهو وأهدافه دائماً ما كانت تحول ضد تلك الأهداف
ذلك، هو النظام الديموقراطي المزعوم والذي أيضاً يتهم تراثنا وتاريخنا أنه متخلف عن الركب ويجب له التطلع لهذا الرقي !!
اي رقي هذا وقد كان للمسلمين منذ أكثر من ١٤٠٠ عاما نظاماً يتفوق على هذه الديموقراطية الهشة بل يمحو أي ذكر لها،
التزم النبي صلى الله عليه وسلم بمبدأ الشورى وعلم أصحابه إياه وبالفعل اتبعه من بعده الصديق رضي الله عنه ولكن كان هناك فرق كبير،
هل الشوري هو نظام ديموقراطي خالص ؟
بالطبع لا وإن كان الغلاف يبدو متشابه حيث في كلا الأمرين تكون مشاركة الكل واجبة والسماع لرأي أهل التخصص ضروري لكن الفرق الأهم بين الشورى والديموقراطية هو التعامل مع حالات بها مخالفات واضحة وشرعية
بمعني أن النظام الديموقراطي كما ذكرنا ينص على حكم الشعب أو الأغلبية دون أي ضوابط مثلاً لو اجتمع نواب الشعب على تمرير قانون يبيح الخمور أو يقنن الزنا فسيتم فى النظام الديموقراطي تمرير القانون وفق الديموقراطية، مثلما حدث في بعض دول أوروبا بإباحة زواج المثليين !! وضع ليس مخالف لشرع الله فحسب ولكنه مخالف للفطرة السليمة تم إقراره وتقنينه لأن الشعب وافق واجتمع عليه !!
أما في الشوري فالتشاور والنصح متاح وضروري إلا لو اصُطدم بنص واضح تبين مخالفته لأمر من أوامر الله وأفضل مثال على ذلك هو الصديق رضي الله عنه فى خلافته حيث اختلف مع عمر وقادته حين تم ارتداد معظم القبائل وامتنعوا عن
دفع الزكاة كان رأي كثير من الصحابة ( نواب الشعب) أن يمهلهم وينتظر ولكن الصديق تغير في طريقته وسلك مسلك الشدة والحزم لدرجة أدهشت الفاروق ومعظم الصحابة الذين عهدوا أبا بكر رجل حليما مسالما هاديء الطبع ولكنهم وجدوا أسداً جسورا يغضب لحرمات الله ويقول لهم ( والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم علي منعه)
لم يلتزم آنذاك الصديق برأي الأغلبية لأن الأمر كان به مخالفة واضحة للشرع الله بل ضياع ركن رئيسى من أركان الإسلام.
هنا كان الفرق بين الديموقراطية المزعومة التي تعلن المساوة والعدل وهي مسئولة عن مقتل الالاف فى غزة وتشريد الملابين في غيرها وبين الشوري المظلومة دائماً من الغرب وموضع إتهام عند كثير من المستشرقين والمتنورين،
لن تتساوي شوري أسسها المصطفي ووضع منهج التزم به وطبقه على الجميع ومن بعده خلفاؤه بديمقراطية اخترعوها واعلنوها وكانوا هم أول من خالفوها وتناسوها .