لم يكن لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع العاهل الأردني الملك عبد الله مجرد اجتماع بروتوكولي، بل كان مواجهة صريحة بين مشروع أميركي لإعادة رسم خريطة المنطقة، ورفض عربي يتنامى أمام ما يعتبره الكثيرون خطة تهدف إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم. ترامب، الذي بدا واثقًا خلال تصريحاته للصحفيين في المكتب البيضاوي، لم يترك مجالًا للشك في أن خطته بشأن غزة ليست مجرد اقتراح، بل رؤية ثابتة لن يتراجع عنها، مهما كان حجم المعارضة.
إصرار امريكي ورفض أردني
حديث ترامب كان واضحًا: سنأخذ غزة. سنحتفظ بها وسنعتز بها. سنجعلها مكانًا يوفر الكثير من الوظائف للناس في الشرق الأوسط. رؤية تحمل في طياتها ملامح إعادة تشكيل ديموغرافي وسياسي للمنطقة، لكنها في المقابل تضع الأردن في موقف حرج، فهو الحليف الاستراتيجي لواشنطن، لكنه يدرك تمامًا أن أي قبول ضمني لهذه الخطة يعني تحول المملكة إلى جزء من الأزمة، وليس مجرد طرف داعم لحل سياسي متوازن.
الملك عبد الله، رغم الضغوط الهائلة، لم يقدم أي التزام صريح. تصريحاته، التي جاءت حذرة ومدروسة، أكدت أن الهدف هو كيفية جعل هذا الجهد ناجحًا بطريقة تصب في مصلحة الجميع. وهي صيغة دبلوماسية تعكس رغبة في المناورة، لكنها لا تحمل تأييدًا فعليًا للخطة الأمريكية.
تهديدات بقطع المساعدات
ترامب، المعروف باستخدامه أسلوب الضغط الاقتصادي، لم يتردد في التلويح بورقة المساعدات، ملمحًا إلى أن استمرار الدعم الأميركي للأردن ومصر مرتبط بمدى استعدادهما لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين. هذه الاستراتيجية أثارت ردود فعل غاضبة داخل الأوساط السياسية العربية، حيث أكد اللواء يونس السبكي، الخبير الاستراتيجي، أن الابتزاز الأميركي عبر المساعدات لن ينجح، لأن الأردن ومصر يعلمان أن قبول مثل هذه الشروط يعني تحمل تداعيات كارثية على المستوى السياسي والاجتماعي.
من جانبها، اعتبرت المحللة السياسية مها الشريف، نائب رئيس حزب الغد ورئيس تيار المستقبل ضد العنف والإرهاب، أن السياسة الأمريكية الحالية تعكس فكرًا أحادي الجانب، حيث تفرض الولايات المتحدة رؤيتها دون أي اعتبار للمخاوف المشروعة لحلفائها في المنطقة.
في ظل هذا التصعيد، تبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة للتعامل مع خطة ترامب:
. إقناع واشنطن بالتراجع: وهو السيناريو الأكثر تفاؤلًا، حيث يسعى الملك عبد الله، مدعومًا بموقف عربي موحد، إلى تغيير قناعات ترامب عبر القنوات الدبلوماسية.
. مواصلة الضغوط الأميركية: وهنا تستمر واشنطن في التلويح بالمساعدات كورقة ضغط، بينما يحاول الأردن تفادي الدخول في مواجهة مباشرة مع إدارة ترامب، مع الحفاظ على موقفه الرافض للتهجير.
. تفاقم الأزمة وتصاعد التوترات: وهو السيناريو الأكثر خطورة، حيث يؤدي الإصرار الأميركي والرفض العربي إلى تعميق الانقسامات، ما قد يشعل موجة جديدة من التصعيد في المنطقة.
رهانات على الموقف الدولي
رغم أن الإدارة الأمريكية تبدو ماضية في خطتها، فإن الرهان الحقيقي قد يكون على ردود الفعل الدولية. أوروبا، التي تعاني من تداعيات النزاعات في الشرق الأوسط، قد تجد نفسها مضطرة إلى لعب دور أكثر فاعلية في كبح جماح السياسة الأميركية. وفي الوقت نفسه، تظل الصين وروسيا عاملين مؤثرين، حيث يمكن أن تشكل مواقفهما رادعًا لواشنطن، خاصة إذا تحركت الدول العربية لتعزيز التحالفات مع هذه القوى الدولية.
الخبير الاستراتيجي اللواء يونس السبكي يرى أن الموقف الأوروبي لن يكون متراخيًا كما كان في السابق، خاصة إذا تصاعدت التحركات الشعبية ضد الخطة الأميركية. أوروبا تدرك أن أي اضطراب جديد في المنطقة سيعني مزيدًا من المهاجرين واللاجئين، وهو ما لا تريده بأي شكل من الأشكال
وماذا بعد بينما تظل واشنطن متمسكة بموقفها، فإن الأردن وحلفاءه العرب أمام اختبار حقيقي. فإما أن ينجحوا في تشكيل جبهة دبلوماسية قادرة على تغيير المعادلة، أو أن يجدوا أنفسهم في مواجهة ضغوط متزايدة، قد تتجاوز الجانب الاقتصادي لتصل إلى مستوى التهديدات الأمنية والسياسية.
ما هو مؤكد حتى الآن هو أن ترامب لن يتراجع بسهولة، وأن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من التوترات، حيث سيحاول كل طرف فرض رؤيته على الآخر. لكن يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع العرب تحويل هذه الأزمة إلى فرصة لإعادة ترتيب أوراقهم على الساحة الدولية