العلاقة بين أوروبا وسوريا الجديدة: تقارب استراتيجي أم مشروط؟ ... بقلم د. سامي العادلي

الجمعة 14/02/2025
يشير مصطلح التفاوض إلى عملية من الحوار والنقاشات والتواصل بين أطراف ندية تعمل على حل نزاع ما أو تسوية المعاملات أو إنشاء اتفاقيات للوصول إلى نتائج ترضي مختلف المصالح والأطراف. 
ينبغي التركيز على مصطلح "ندية العلاقات" بين الأطراف، لفهم وتوصيف حقيقة ما يجري فعلاً في سوريا اليوم وهي تحت القيادة الجديدة. 
خلال اليومين الماضيين صدر بيان من ألمانيا وفرنسا كل منهما على حدا لكن كلاهما يحمل نفس الفحوى تقريباً، وحسب البيانات الصادرة عن كلا البلدين، فأن إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي دعا الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع لزيارة باريس ، أما أولاف شولتز المستشار الألماني فقد استمر الاتصال الهاتفي بينه وبين الرئيس السوري المؤقت ساعة كاملة، والملفات المشتركة التي أكدت عليها فرنسا وألمانيا للشرع هي ضرورة  إطلاق عملية سياسية تشمل جميع السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية، وأهمية مواصلة مكافحة الإرهاب من أجل الأمن في سوريا والمنطقة وفي جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى مسألة دعم إعادة الإعمار في سوريا. 



الملفت في الأمر أن جميع وسائل الإعلام تتناول هكذا نوع من البيانات بغوغائية مثيرة للسخرية حيث يقولون أن هناك تقارب بين أوروبا وسوريا وحوار إيجابي وأن أوروبا تسعى لإنجاح التفاوض والحوار مع دمشق. 
فهل هذا صحيح فعلاً، أي تفاوض؟؟ ومع من ؟؟ 
صفقة كبرى، استكشاف نفوذ، وإملاءات، هذا ملخصٌ يوضح أسباب الصحوة الأوروبية تجاه سوريا  الجديدة تحت قيادة "الحكومة المؤقتة" 
أوروبا تنظر إلى سوريا اليوم كوليمة دسمة في ظل الفراغ الأمني والسياسي، ووعود الغرب بالعمل الجاد لرفع القيود عن سوريا وإبطال العقوبات تعكس تماشي النهج الأوروبي مع الأميركي خلال الأسابيع الماضية، حيث ستعمل الدول الأوروبية ومن خلفها أمريكا على مراقبة ما تقوم به الحكومة الجديدة عن كثب وهذا سيأخذ وقتاً ليس قصيراً، وبعدها ستتخذ القرار الجاد إما بإلغاء العقوبات أو بفرض المزيد منها وستجد " عذراً نبيلاً" لتطبيق  ذلك ، يعني لا يهمها فعلاً درجة تأذي الشعب السوري من عقوباتهم ولا يهمهم إن خرجت شخصية قيصر الحقيقية " المساعد أول فريد المذهان" وطالبهم برفعها، كما لا يعنيهم فعلاً مطالب الحكومة الجديدة التي دائماً ما تذكرهم بضرورة رفع هذه العقوبات مع رحيل مسببها " الاسد". 
سياسية الشد والجذب التي تتبعها الدول الأوروبية مع سوريا الجديدة ما هي إلا فخ لتحقيق مصالحها الجيوسياسية، فالعلاقة مع "هيئة تحرير الشام" تشكل قيمة مضافة بالنسبة لبرلين مثلاً التي تريد عودة جزء من السوريين الذين هاجروا لألمانيا منذ بداية الصراع عام 2011 ، ويبلغ عددهم حوالي مليون شخص. 
كما تتفق جميع الدول الأوروبية وأمريكا على تقليم أظافر روسيا في سوريا من خلال فرض ضغوط وشروط قاسية على الحكومة الجديدة للحد من النفوذ الروسي. 
بالإضافة إلى انزعاجهم الواضح من النشاط التركي في سوريا ويريدون فرض توازن جديد للحد من التمدد الأردوغاني ، وخاصة فرنسا التي تدعم وأمريكا  "الوحدات الكردية" ولا يعجبها تلويح أنقرة المستمر باستخدام القوة العسكرية ضدهم حتى أن ماكرون شدد في اتصاله مع أحمد الشرع على ولاء فرنسا المطلق للأكراد. 
حكام سوريا اليوم ليس لديهم أي أوراق رابحة ولا أحد يتعامل معهم كندٍ سياسي، لذلك فإن العروض والإغراءات التي تقدمها جميع الأطراف  الدولية لا بد أن يدرسها الشرع بكثير من الحذر والدهاء حتى لا تكون سوريا الجديدة لقمة سائغة للجميع، فالأيدي المشاركة في "الطبخة" السورية، جميعها ملطخة بتاريخ طويل من الانتداب والاحتلال وسرقة ثروات ونفوذ الشعوب، فإن أراد الشرع ترك الحضن "العثماني" الذي دعم وصوله للسلطة فعلاً فهل عليه أن يبني ثقة عمياء بماكرون مثلاً؟؟. 
من يرى مشهد التزاحم الغربي والعربي على سوريا أنه احتضان غير مشروط ، فهو بعيد عن الواقع كثيراً، إذ لا يوجد بفهموم السياسة علاقة غير مشروطة، خاصة أن مناعة سوريا اليوم ضعيفة  خارجياً وممزقة داخلياً وهذا الواقع بحد ذاته  جاذب للتدخلات الخارجية لاقتناص الفرص السياسية والعمل على تقسيم البلاد.



إغلاق


تعليقات الزوار إن التعليقات الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي وفكر إدارة الموقع، بل يتحمل كاتب التعليق مسؤوليتها كاملاً
أضف تعليقك
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
عنوان التعليق  *
نص التعليق  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
رد على تعليق
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
نص الرد  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
 
اسـتفتــاء الأرشيف

برأيك .. هل تعود الأمور لنصابها بين ترامب وزيلينسكي ؟