قيل سابقًا أن المحن تفرز الناس وتفصلهم وتظهر معادنهم الحقيقية، منهم ذو مبدأ وضمير وآخر ليس عنده إلا الكلام والصفير.
ويا ليته كلامٌ مفيد بل في كثير من الأحيان هراء وعويل!!
بعد السابع من أكتوبر من العام الماضي ظننت أني سأجد إجماعًا من كافة الشعوب العربية بحكامها على رفض تلك المجازر والوقوف كليًا مع الشعب الفلسطيني المسكين، ولكن بمرور الوقت بدأ التباين الذي ذكرناه آنفًا، تارة يخرج البعض من العلمانيين ليقول لنا: أن حماس (مش عارف إيه) وأنهم من تسببوا فيما يحدث الآن، تارة أخرى يخرج علينا بعض المثقفين ليتكلم بطريقة غريبة عن حق إسرائيل في فلسطين وأن الفلسطينين هم من بدأوا واختلقوا المشاكل!!
لم نسلم من العلمانيين والمثقفين حتى خرج علينا بعض الإعلاميين ليتَّهِم حماس بالخيانة وأنهم عملاء للغرب باعوا وطنهم وتركوه في محنته ثم عاشوا في القصور الفارهة في قطر والخليج!!
لم يسلم من ألسنتهم القادة، حتى بعد موت عائلة أحدهم كلها واستشهاده نفسه بعدها، لكن عيونهم دائمًا تعجز عن رؤية الحقيقة.
ماذا قدم هؤلاء المنبطحون للأمة في محنها، عند هجوم العدو عليها يكون رد فعلهم الأول هو تبرير ذلك العدوان إما بالتشكيك في المقاومة وقذفها بأبشع التهم أو بإلقاء اللوم على الشعب لوجود المقاومة بينهم.
عند خروج دعوات المقاطعة للشركات التي تدعم العدو يخرج علينا البعض منهم ليردد نغمة (ليه نقطع عيش ولادنا في الشركات دي) وكأن الرزق قد توقف في الدنيا كلها على تلك الشركات التي تدعم قتل إخواننا، حتى بعد نجاح عمليات المقاطعة مؤخرًا وإعلان بعض الشركات والكيانات الداعمة للعدو إفلاسها تشعر وكأن الحزن ملأ قلوبهم ليخرجوا علينا يشككون في المعلومة وكأن قلوبهم قد انخلعت كمدًا من تلك الأخبار.
أين كنا عندما نشأ هؤلاء بيننا ومن أين أتوا بكل هذا الكم من الانبطاح والانهزامية؟!
عشت طيلة حياتي أتابع هؤلاء المثقفين المتنورين، فلم أجد عند معظمهم أية فائدة في وقت أزمات الأمة كبيرها وصغيرها.
عندما تقف الحكومات ضد المواطنين وتُرفع الأسعار ويُصاب المواطن بالضيق والفقر يبدأ مفكِّروهم في الحديث عن كتب البخاري ومسلم والتشكيك فيه، عند تسليط الضوء على أي أزمات أخلاقية من فساد ورشوة، تجد المتنورين يتكلمون عن مشاكل التراث والسلف ويأخذونك في مواضيع غريبة بعيدة كل البعد عن الاحتكاك بالمشاكل والمتاعب، أما عند حدوث المصائب و المحن ضد الأمة مباشرة ويأتي العدوان عليها ويقتل الصهاينة أولادها ونسائها لا يسعهم إلا انتقاد من يناضلهم وذمّه، بل تعدى الأمر أكثر من هذا، فالبعض من مثقفي الأمة الآن يعطي المبرر لإسرائيل في حربها ضد غزة ويقول إنها تدافع عن نفسها وعن وجودها!! إلي أي مهزلة وصلنا؟!
مع كل هذا الاندهاش أخذت أدقق النظر في حديث للمصطفى صلى الله عليه وسلم، يتكلم فيه عن الملحمة الكبرى ومحاربة المسلمين لليهود وأنه وعد حق لن يخلفه الله حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله (ومنها زيادة) إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود".
ومن عجائب تصديق وخوف اليهود من كلام المصطفى أنهم يزرعون هذا الشجر الآن، فلولا أن نص المصطفى واضح والحديث يوضح أن هذا شجر حقيقي لظننت مما أشاهد الآن أن الغرقد ليس شجرًا ذا ورق وأغصان بل كناية لإنسان موجود بيننا الآن في صورة قبيحة، مليئة بالجبن والخذلان.
د/ محمد كامل الباز