تعيش إسرائيل اليوم واحدة من أكثر الفترات إضطراباً في تاريخها الحديث، حيث أصبحت سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وممارساته تهدد إستقرار الدولة التي طالما أُعتُبرت حجر الزاوية في المنطقة. تتفاقم الأزمات الداخلية والخارجية وتتزايد حدة التوترات، مما يعزز من إحتمالية نهاية وشيكة لإسرائيل كما نعرفها، خاصة في ظل التحالفات الإقليمية الجديدة التي بدأت تتشكل ضدها. فما هي أبرز التجاوزات الإسرائيلية بقيادة نتنياهو؟ وكيف يؤثر الخلاف بينه وبين الجيش على إستقرار الدولة؟ وما هي ملامح التحالفات الإقليمية الجديدة؟ وكيف يمكن لهذه التحالفات أن تُعيد تشكيل خارطة الشرق الأوسط؟
تجاوزات نتنياهو: سياسة الإستفزاز والعناد"
تعتبر تجاوزات حكومة نتنياهو متعددة الأوجه، فمن ناحية يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي سلسلة من التحقيقات المتعلقة بالفساد وإستغلال السلطة، ومن ناحية أخرى تتسم سياسته الداخلية والخارجية بالعنف والقمع. على الصعيد الداخلي، تستمر سياسة قمع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، حيث تواصل إسرائيل هدم المنازل وتوسيع المستوطنات، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني. هذا بالإضافة إلى تشديد الحصار على قطاع غزة، الذي يعيش أهله في ظروف قاسية تحت القصف المتواصل والحصار الإقتصادي الخانق. ومن ناحية أخرى، يواصل نتنياهو تأجيج التوترات مع الفلسطينيين في القدس من خلال الممارسات الإستفزازية ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية.
أما على الصعيد الخارجي، فقد أصبحت إسرائيل بقيادة نتنياهو أكثر عزلة. فبعد عقود من الإعتماد على الدعم الأمريكي المطلق، بدأت الولايات المتحدة نفسها تعيد تقييم موقفها. كما أن سياسة نتنياهو العدائية تجاه الدول المجاورة وتصعيده للعمليات العسكرية في سوريا ولبنان قد أضر بعلاقات إسرائيل مع الدول الإقليمية، حتى تلك التي كانت تجمعها معها تفاهمات غير رسمية.
الخلاف بين نتنياهو والجيش: شرخ عميق في المؤسسة العسكرية"
لم يكن الخلاف بين نتنياهو والجيش الإسرائيلي محض صدفة، بل هو نتاج تراكمات من السياسات التي إعتبرها قادة الجيش متهورة وغير محسوبة. فمنذ سنوات، يعارض الجيش الإسرائيلي بعض سياسات نتنياهو المتشددة تجاه الفلسطينيين، وخاصة في ما يتعلق بالتصعيد المستمر في غزة وتوسيع الإستيطان. يرى الجيش أن هذه السياسات تزيد من تعقيد الموقف الأمني وتعرض الجنود والمدنيين الإسرائيليين لخطر أكبر، بالإضافة إلى أنها تساهم في خلق حالة من العداء الدائم الذي يعزز المقاومة الفلسطينية بدلاً من القضاء عليها.
الخلاف الأبرز كان في كيفية التعامل مع التهديدات القادمة من إيران وحزب الله. ففي الوقت الذي يفضل فيه نتنياهو لغة التهديد والضربات الإستباقية، يرى بعض قادة الجيش أن الحل الأمثل يكمن في تقليل التوتر والإنخراط في دبلوماسية أكثر حكمة. هذا الخلاف خلق شرخاً واضحاً بين الحكومة والجيش، قد يؤدي إلى إضعاف التنسيق الأمني وتقليل فعالية الردع الإسرائيلي.
التحالفات الإقليمية الجديدة: تهديد وجودي لإسرائيل"
في مواجهة التجاوزات الإسرائيلية المستمرة، بدأت المنطقة تشهد تحولات غير مسبوقة في العلاقات الإقليمية، حيث تتقارب دول كانت حتى وقت قريب في حالة عداء. التحالفات الجديدة التي تضم مصر وتركيا والسعودية وإيران ودولاً أخرى، بدأت تتبلور كجبهة موحدة لمواجهة التهديد الإسرائيلي. هذا التحالف يبدو غير تقليدي، حيث تجمع هذه الدول مصالح مشتركة في مواجهة التوسع الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية.
من جهة أخرى، بدأ التنسيق الأمني والعسكري بين هذه الدول يزداد، وهو ما ظهر بوضوح في التدريبات العسكرية المشتركة والمشاورات الدبلوماسية المكثفة. هذا التحالف إذا ما تطور بشكل أكبر، قد يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، حيث سيجد نتنياهو نفسه محاصراً من جميع الإتجاهات. فالتحالف مع دول مثل إيران وتركيا، يعني أن إسرائيل قد تواجه جبهة متعددة الأطراف والإتجاهات، وهو ما قد يعرضها لحرب إستنزاف طويلة.
رؤية مستقبلية: إلى أين تتجه إسرائيل؟
في ظل هذه الظروف، يبدو مستقبل إسرائيل غامضاً ومقلقاً. تجاوزات نتنياهو المستمرة قد تؤدي إلى إنهيار الثقة الداخلية وخلق فجوة بين الحكومة والمجتمع الإسرائيلي. كما أن الخلاف مع الجيش قد يؤدي إلى ضعف المؤسسة العسكرية، مما سيجعل إسرائيل عُرضة لتهديدات أمنية أكبر.
أما على الصعيد الإقليمي، فإن التحالفات الجديدة قد تكون نقطة تحول في تاريخ المنطقة. فمع تنامي التعاون بين الدول العربية وتركيا وإيران، قد تجد إسرائيل نفسها في موقف الدفاع بدلاً من الهجوم، مما قد يدفعها إلى إعادة التفكير في سياساتها العدائية.
فرصة أخيرة: طريق العدالة والدبلوماسية"
في ظل هذا التصعيد الخطير والصراعات المتفاقمة، تبقى هناك فرصة أخيرة لإنقاذ إسرائيل والمنطقة من كارثة محققة. هذه الفرصة تتمثل في إحكام العدالة وتفعيل الدبلوماسية، وذلك من خلال محاكمة نتنياهو على تجاوزاته ومحاولته زعزعة إستقرار المنطقة. إن هذه الخطوة الجريئة قد تكون المفتاح لإحلال السلام الداخلي والخارجي، ليس فقط للشعب الإسرائيلي بل أيضاً لجيرانه.
إن السلام الحقيقي يبدأ بالإعتراف بحقوق الآخرين، وهو ما يمكن تحقيقه عبر تبني حل الدولتين على حدود 1967، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. هذه الخطوة لن تحقق فقط الأمن والإستقرار، بل ستفتح آفاقاً جديدة للتعاون الإقتصادي والتنموي بين شعوب المنطقة، وتخفف من حدة العداوات المستمرة.
العدالة التي ينشدها الشعب الإسرائيلي تبدأ بمحاسبة نتنياهو ومن شاركوه في السياسات المتهورة التي أدت إلى هذا الوضع الكارثي. وإعادة بناء الثقة في المؤسسات السياسية والدبلوماسية، وتبني سياسات أكثر عقلانية وعدلاً، هي السبيل الوحيد لإنقاذ مستقبل إسرائيل والمنطقة من دائرة العنف والدمار.
ختاماً" إن السياسات المتشددة والإنعزالية التي ينتهجها نتنياهو قد تؤدي بالفعل إلى نهاية إسرائيل كما نعرفها. فمع إستمرار التجاوزات الداخلية والخارجية، وتفاقم الخلافات بين الحكومة والجيش، وظهور تحالفات إقليمية جديدة تسعى إلى كبح جماح التوسع الإسرائيلي، يبدو أن إسرائيل تسير نحو مستقبل مجهول ومضطرب. يبقى السؤال: هل سيتعلم نتنياهو الدرس قبل فوات الأوان، أم أن عناده سيقود المنطقة إلى نزاع كارثي قد يغير وجه الشرق الأوسط إلى الأبد؟