على مر التاريخ، شهد العالم العديد من الدول التي كانت توحدها ثقافة، حدود، وسلطة مركزية واحدة، لكنها إنقسمت إلى دويلات أو كيانين مستقلين بسبب عوامل متعددة. أبرز هذه العوامل كان التدخل الخارجي، سواء كان عسكرياً، أو سياسياً أو إقتصادياً. في كثير من الحالات، كانت الولايات المتحدة، إلى جانب قوى غربية أخرى، هي القوة المحركة وراء هذه الإنقسامات، حيث سعت لتحقيق مصالحها الجيوسياسية والإقتصادية. سوف نسلط الضوء هنا على أمثلة من الدول التي شهدت تدخلات خارجية، خاصة من قبل الولايات المتحدة، والتي أدت إلى تقسيمها.
لعب التدخل الخارجي، وخاصة من الولايات المتحدة، دوراً محورياً في تقسيم العديد من الدول حول العالم. هذه التدخلات، التي غالباً ما كانت مبررة بالصراعات الداخلية أو التهديدات الأمنية، أدت إلى نتائج كارثية على إستقرار الدول وأمنها. الولايات المتحدة، بوصفها قوة عظمى، تدخلت في شؤون العديد من الدول من أجل تحقيق مصالحها الإستراتيجية، مما أسفر عن إنقسامات داخلية أو تقسيم الدول إلى دويلات أصغر. ، سنستعرض هنا أبرز هذه الدول وكيف ساهمت التدخلات الخارجية، وخصوصاً الأمريكية، في تقسيمها.
الدول التي كانت دولة واحدة ثم إنقسمت بفعل التدخلات الخارجية"
أولاًً: كوريا (شمال وجنوب)"
بعد الحرب العالمية الثانية، كانت كوريا تحت الإحتلال الياباني. ومع نهاية الحرب، تم تقسيمها بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة عند خط العرض 38. أدى هذا إلى نشوء دولتين مستقلتين: كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، نتيجة للتدخلات الخارجية خلال الحرب الباردة.
ثانياً: ألمانيا (الشرقية والغربية)"
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تم تقسيم ألمانيا إلى قسمين بسبب تدخل الحلفاء المنتصرين. ألمانيا الغربية كانت تحت تأثير الولايات المتحدة وحلفائها، بينما كانت ألمانيا الشرقية تحت سيطرة الإتحاد السوفيتي. إستمر هذا التقسيم حتى توحيد ألمانيا في عام 1990.
ثالثاً:الهند وباكستان (وبنغلاديش لاحقاً)"
كانت الهند تحت السيطرة البريطانية قبل عام 1947. بعد إنتهاء الإستعمار البريطاني، تم تقسيم البلاد على أساس ديني إلى الهند وباكستان. لاحقاً، في عام 1971، تدخلت الهند عسكرياً لدعم إنفصال بنغلاديش عن باكستان.
رابعاً:السودان وجنوب السودان"
نتيجة للتدخل الخارجي والنزاعات الداخلية، تم تقسيم السودان إلى دولتين في عام 2011، حيث أصبح جنوب السودان دولة مستقلة بعد سنوات من الحرب الأهلية. التدخلات الدولية كانت لها دور كبير في هذا الإنفصال، خصوصاً من القوى الغربية.
خامساً: تشيوسلوفاكيا (التشيك وسلوفاكيا)"
إنقسمت تشيكوسلوفاكيا سلمياً في عام 1993 إلى دولتين مستقلتين: التشيك وسلوفاكيا. على الرغم من أن الإنقسام كان سلمياً، إلا أن الضغوط الإقتصادية والسياسية الدولية ساهمت في تسريع هذا الإنفصال.
سادساً: الاتحاد السوفيتي"
كان الإتحاد السوفيتي دولة عظمى حتى إنهياره في عام 1991 نتيجة للتدخلات الغربية والضغوط السياسية والإقتصادية خلال الحرب الباردة. بعد التفكك، إنقسم الإتحاد السوفيتي إلى 15 جمهورية مستقلة.
سابعاً: يوغوسلافيا"
في التسعينات، أدت التدخلات الغربية والنزاعات الداخلية إلى تقسيم يوغوسلافيا إلى عدة دول مستقلة، منها كرواتيا، صربيا، سلوفينيا، البوسنة والهرسك، ومقدونيا الشمالية. دعم الناتو في المنطقة كان له دور كبير في تسريع هذا الانقسام.
ثامناً: الصين وتايوان"
بعد الحرب الأهلية الصينية، إنقسمت الصين إلى دولتين فعلياً: الصين الشعبية وتايوان. الولايات المتحدة دعمت تايوان سياسياً وعسكرياً في مواجهة الصين الشيوعية، مما جعل الإنقسام مستمراً حتى اليوم.
تاسعاً: مصر والسودان"
كانت مصر والسودان دولة واحدة في فترة تاريخية معينة. من عام 1820 حتى 1955، كانت مصر والسودان تحت حكم واحد من خلال فترة الحكم المصري العثماني ثم الحكم البريطاني. خلال هذه الفترة، كان السودان جزءاً من مصر تحت الإدارة العثمانية، ثم تحول إلى مستعمرة بريطانية مشتركة مع مصر. وفي عام 1955، وبتدخل خارجي حصل السودان على الحكم الذاتي، وبدأت مرحلة الإنفصال تدريجياً، ليصبح السودان دولة مستقلة تماماً في عام 1956.
وأخيراً وليس أخراً: روسيا وأوكرانيا"
النزاع بين روسيا وأوكرانيا بلغ ذروته في 2014 بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وتدخلات غربية متزايدة لدعم أوكرانيا. الغزو الروسية في 2022 أدى إلى إنقسامات داخل أوكرانيا، حيث تسعى مناطق في شرق أوكرانيا للإنفصال بدعم روسي، في حين تدعم الولايات المتحدة والدول الغربية أوكرانيا سياسياً وعسكرياً.
ختاماً" لا يزال التدخل الخارجي، وخاصة من قبل الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، يلعب دوراً في تفكيك الدول وإضعافها. الإنقسامات التي شهدتها هذه الدول لم تؤدي فقط إلى تدمير الوحدة الوطنية، بل جعلت هذه الدول فريسة سهلة للتدخلات الخارجية المستمرة. الأصابع الغربية مازالت تلعب في الخفاء لتفكيك الأوطان وتقسيمها وإضعافها، مما يسهل السيطرة عليها بطرق مختلفة، سواء كان ذلك عبر الإحتلال العسكري المباشر أو النفوذ الإقتصادي والسياسي.