واحداً واحداً يرحلون ، ونحن على الطريق سائرون ، لكن في النفس وجعا يتركون ، ومن القلب لا يغادرون ، حين تخطفهم قبل أوان يد المنون .
كان موجعا، نبأ صباح ٦ أيلول ٢٠٢٤ ، برحيل صديق الصبا ، أبي رامي مطانس بطيخ ،في ديار الاغتراب ، بعيدا عن معشوقته ،،المشرفة ،،
جمعتنا دار المعلمين بحمص، قبل ستة عقود ، كنّا في ريعان صبانا ، مقبلين على آفاق الحياة ، ونحن أشدّ حماسا و تفاؤلا ،على ما نحن فيه من بساطة عيش ، كلّ منّا ترك أهله وبلدته يافعا ، فظلّلتنا محبّة عفوية نمت على مدى 4 سنوات ماتعة ، وحين فرقتّنا سبل العمل ، قبل أن تفرّقنا دروب الغربة ، تفاوت التواصل ، لكن لم نعدم الاطمئنان ومواكبة أخبار بعضنا ، نجاحات أو معاناة .
مبكّرا ، اغترب مطانس ، لكن بعدما تحصّل على شهادتين جامعيتين ،، لغة عربية وحقوق،، ومارس التدريس والمحاماة لسنوات ، وحين عبرنا المحيط ، بعده بعقود ، إلى الشرق منه بطيران ٧ ساعات ، شعرت أننا قريبين ،فسارعت لاتصال ، لاقاه بلهفة ، ورحنا نفضفض بين حين وآخر ، كم كان يفرح حين يزور الوطن و،،المشرفة ،، وحين يعود بعبق تفاصيل .
مطلع هذا العام تواعدنا على لقاء وخطّطنا لزيارات في المغترب "وأبو جورج "" يترقّبنا بلهفة في الوطن ، وإن بحسرة على ،، صبحي ونديم (*)،، لكنه القدر يخبئ ما هو آت ، حين داهمه مرض و التداعيات ، ظلّ الأمل محمولا على إيمان ومواعيد أطباء ، حتى قدّر الله وماشاء فعل .
وهانحن نفتقده اليوم ، محبّا ،غيّورا ، وفيّا ، نفتقد ابتسامة هادئة ،تشي بصفاء نفس ، ونقاء سريرة ، جذبتا لرفقته ، ولمّا تزل في المخيّلة ، ولن تمّحي ، كما ذكراه ،لن تفارق عارفيه ومحبيّه ، طلبته ، وزملاءه، وأصدقاءه جيلا بعد جيل..
اغترب أبو رامي ، وحمل في قلبه الوطن أيقونة عشق وقيم ، لم ينقطع عن متعة زيارته ، وتمتين وشائج الصلة مع أبناء الجالية ، فأسّس مع ثلّة من أبناء بلدة المشرفة في كاليفورنيا ، جمعيتهم الخيرية 2008 ، بغية مساعدة المحتاجين والمرضى، مهما بلغت تكاليف العلاج أو العمليات الجراحية ، ولئن أوقفت نشاطها لغير سبب ، فإن التبرّع فرادى تواصل وعلى نحو حثيث خلال سنوات الحرب وتداعياتها ، وهو الذي صمّم ونفّذ وتبرّع ببناء النصب التذكاري للشهداء على دوّار مدخل قريته المشرفة ، وقد تمّ تدشينه في الأول من آب 2019 احتفاء بعيد الجيش ، وكان يقدّم تبرعات في قريته، أصرّ على كتمانها، تكريساً لثقافة التبرّع في هذا الزمن الصعب.
إلى رحاب الخلد ، صديقي أبا رامي ، عزاؤنا وكلّ عارفيك ، سيرتك العطرة ، وما كرّسته بكدّ وجدّ ، من قيم ، تتمثلها عائلتك الرائعة، لروحك السلام ،ولها صادق العزاء
*الإعلامي سعد الله بركات
==========
*أبو جورج : الياس كدر
**صبحي مخلوف" المشرفة" ونديم مواس " صددنا " ارتحلا قبل سنوات وكنّا معا في دار المعلمين بحمص .١٩٦٥-١٩٦٩