كتب: خالد عبدالحميد مصطفى
في ظل التوترات العالمية المتزايدة والصراعات المتعددة التي تتصدر المشهد السياسي والإقتصادي، يثار التساؤل: من يحكم العالم اليوم؟ هل هي قوة القانون التي ينبغي أن تضمن العدالة والحرية لجميع الشعوب؟ أم أن قانون القوة هو الذي يفرض سيطرته، حيث تحكم القوة العسكرية والمصالح الذاتية مصير الأمم؟ هذه الثنائية تعكس واقعاً معقداً تهيمن فيه القوانين على الورق، بينما في الواقع، يُفرض على الشعوب قانون القوة، مما يؤدي إلى معاناة ملايين الأبرياء تحت وطأة "البلطجة المقننة" على المستوى العالمي.
قانون القوة: الهيمنة العسكرية والإقتصادية عبر التاريخ"
كانت القوة العسكرية والإقتصادية وسيلة لتحقيق السيطرة والنفوذ. ومع تطور التكنولوجيا وزيادة التشابك الإقتصادي بين الدول، أصبحت الدول القوية تفرض إرادتها على الساحة الدولية من خلال تحالفات عسكرية وإستراتيجيات إقتصادية تُخضع الدول الأضعف. الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لطالما إستخدمت نفوذها العسكري والإقتصادي لفرض سياساتها على دول العالم الثالث، متجاهلة في كثير من الأحيان مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان.
من ناحية أخرى، نجد قوى أخرى مثل روسيا والصين تعزز من نفوذها من خلال إستخدام القوة الإقتصادية والعسكرية لتوسيع دائرة نفوذها الإقليمي والدولي. هذا الصراع على الهيمنة يعكس قانون القوة الذي يحكم العالم اليوم، حيث تُهمّش حقوق الشعوب وحقوق الإنسان مقابل تحقيق المكاسب السياسية والإقتصادية.
الشعوب التي تدفع الثمن
في هذا الصراع بين القوى الكبرى"
تُترك الشعوب لتحمل الأعباء. من بين أكثر الشعوب تضرراً نجد الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ عقود من الإحتلال والصراعات المستمرة، والشعب السوري الذي دمرت بلاده جراء الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية. الشعب اليمني هو الآخر ضحية صراع إقليمي ودولي بين قوى تسعى لتحقيق مصالحها على حساب معاناته. وأخيراً وليس أخراً شعب السودان الشقيق .
هذه الشعوب تُعتبر ضحايا البلطجة المقننة التي تشرعنها القوى الكبرى تحت مسميات مختلفة، مثل محاربة الإرهاب أو نشر الديمقراطية. وبدلاً من حماية هؤلاء الأبرياء وتحقيق العدالة لهم، تُستخدم القوة لإدامة الصراعات وتحقيق المكاسب السياسية.
قوة القانون: الأمل الضائع"
رغم كل ذلك، لا يزال هناك أمل في قوة القانون. القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة تهدف إلى تحقيق العدالة والسلام العالميين، ولكن المشكلة تكمن في تطبيق هذه القوانين وإحترامها. المؤسسات الدولية، مثل مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، تجد نفسها في كثير من الأحيان عاجزة أمام إرادة الدول الكبرى التي تهيمن على القرار الدولي.
إلا أن هناك شعوباً ودولاً لا تزال تؤمن بقوة القانون وتسعى جاهدة لتحقيق العدالة من خلال القنوات القانونية والدبلوماسية. هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة، ولكنها تمثل الأمل الوحيد لمستقبل يعتمد فيه العالم على قوة القانون بدلاً من قانون القوة.
ختاماً" الصراع بين قوة القانون وقانون القوة يعكس التحديات الكبرى التي يواجهها العالم اليوم. في الوقت الذي تفرض فيه القوى الكبرى سيطرتها من خلال القوة العسكرية والإقتصادية، تدفع الشعوب المستضعفة الثمن الباهظ لهذه البلطجة المقننة. ومع ذلك، يبقى الأمل في قوة القانون والإرادة الدولية لتحقيق السلام والعدالة. التحدي يكمن في قدرة المجتمع الدولي على تحقيق هذا التوازن الصعب بين الحفاظ على القانون وفرضه، وبين كبح جماح القوة التي لا تعرف حدوداً. في نهاية المطاف، يبقى السؤال: هل سنشهد عالماً يحكمه القانون، أم أننا سنظل رهائن لقانون القوة؟