كتب/د. محمد كامل الباز: ما بين الثبات والسُبات ( الاختيار بين الموت والحياة)

الاربعاء 21/08/2024
لن يكون الفرق بين الكلمتين هو وضع  ( السين و الثاء) فقط بل هو فارق كبير وخطير، فارق فى التربية والبناء، فى الأخلاق والعطاء، فى الغرس والنماء 
شتان بين الحرفين، 
عندما يكون عندك ولدين أحدهما  يذاكر ويجتهد طوال العام والاخر يلعب ويلهو هل ستكون العاقبة واحدة ؟ 
بالطبع لا، أيضاً بين الأقوام والشعوب هناك اختلاف وفروقات،  ليس الان فحسب بل منذ قديم الزمن وبالتأكيد لن يكون هناك زمن أفضل من زمن سادة الخلق وأفضل البشر محمد صلى الله عليه وسلم لنوضح الفارق من خلاله؛ 
تعرض أصحابه  صلاوات الله عليه وسلامه لتلك  المقارنة ووجدوا الفارق فى النتيجة.

فى السنة الثالثة من الهجرة المباركة أتت قريش بسادتها وقادتها للانتقام مما حدث فى بدر بل عهد البعض على نفسه بألا يقرب النساء وأخرى بالا تتطيب حتي يأخذوا بثأر احباءهم الذين قُتلوا فى بدر، 
بدأت المعركة بنصر مبين وساحق للمسلمين حتي ذكر أحدهم أنه وصل لخيم النساء فى قريش ( تكون فى أخر الجيش وهذا يعنى أنه تم اختراق الجيش القريشي كامل) بدأ الفرار والخوف يدب فى صفوف قريش وهربوا وتركوا الغنائم وهنا كان التحول 
رماة الجبل من المسلمين والذي أمرهم المصطفي بعدم ترك اماكنهم مهما كان الأمر، بدأوا بالنزول من الجبل سعياً وراء الغنائم سعياً وراء الدنيا، طمعا فى نعيم زائل، خالفوا أمر المصطفي من أجل الطمع فى الحياة وملذتها وهنا كانت المفاجأة  حيث التف حولهم القائد الذكي خالد بن الوليد ( كان من المشركين آنذاك)  ليصعد للجبل ويقتل القلة الباقية من الرماة ويستولى على الممر الاعلي فى الحرب ويطوق المسلمين من الخلف وتعود قريش للمعركة مرة اخرى ويجد المسلمين أنفسهم محاصرين بين فكي الرحا  وتحدث مقتلة عظيمة للمسلمين أصيب  الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه فيها بل ذيع خبر وفاته!! 

بعد أربع سنوات من هذا الموقف حدث موقف معاكس تماماً، 
خرج النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء العمرة ولكن ذيع الخبر لقريش وظنت أن  محمداً خرج لقتالها،  اعلنت التحالف لصد جيش المدينة، اندهش المصطفى لأنه لم يكن يخرج لقتال بل خرج لأداء العمرة،
 لم يكن مسلح تسليح الحرب بل كان معهم أسلحة المسافر (  أسلحة خفيفة لحماية القوم من أخطار الطريق فقط)، 
أرسل المصطفى عثمان بن عفان لقريش ليخبرهم أنه ما آتي لحرب أو نزال ولكنه جاء معتمراً، 
حبست قريش عثمان وطال وقت غيابه بل أشيع أنه قُتل وهنا كان الامتحان الكبير !! 
قتل رسول لدولة المدينة الناشئة حديثاً جرم كبير لابد ألا يمر مرور الكرام، التهاون في حق رجل مثل عثمان سيعرض إسم الدولة ومصداقيتها للحرج ويجعلها على المحك، لابد من إتخاذ إجراء رادع لقريش عن هذا العمل المشين، لكن الرسول والقوم غير مجهزين للقتال كما ذكرنا !!
لم يكن أمام القائد إلا الأخذ بثأر عثمان فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلي البيعة على الموت وعدم الفرار، هى فعلا بيعة على الموت، كيف لقوم خارجين معتمرين غير مجهزين لحرب أو قتال يجدوا أنفسهم فجأة امام حرب ضروس لا يعلمون عاقبتها،  لكن أصحاب النبى وسادة الخلق من المهاجرين والأنصار لم يفكروا فى تلك المعايير الدنيوية التي نفكر بها الأن، بل اطاعوا الأمر وبايعوا المصطفى على الموت، نعم اختاروا الموت فى الرضوان فكانت المكافأة الكبرى من الله عزوجل وهي الحياة !!
  تم معرفة الحقيقة أن عثمان بخير وكفى الله المؤمنين شر القتال بل بعثت قريش للمسلمين بسهيل بن عمرو ليفاوض المصطفى فى الحديبية ويكتبوا بنود صلح سماه الله عز وجل بالفتح فى كتابه الكريم، نعم فتح واى فتح، 
 حينما يعطيك عدوك المدة كى تزداد قوتك هو فتح، 
حينما يعطيك عدوك الوقت كى تزداد اعدادك ويدخل الناس فى دين الله أفواجا هو فتح، 
حينما يعط لك عدوك الفرصة والوقت لتراسل ملوك الشرق والغرب ويعرف كل الناس دعوتك هو فتح، 
حينما تحدث هدنة تجعل من سادة قريش تفكر فى هذا الدين الجديد بل وتدخله ليعز الله بهم الاسلاغم مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص هو ورب الكعبة أعظم فتح، 
كانت تلك المكافأة من المولى عز وجل  نتيجة نجاح الصحابة فى الامتحان بامتياز ونسيانهم الدنيا واختيارهم الموت فوهب الله لهم الحياة والعزة بينما حدث العكس منذ أربعة سنوات فى أُحد حينما اختاروا الغنائم والدنيا فكان العقاب أن سيق لهم الهزيمة والموت؛

فى الحقيقة أن تلك المقارنة غير مقتصرة عن زمن الصحابة ودولة المدينة فقط، هي مقارنة قائمة طول الوقت وعلى مر الزمن؛ 

 حينما نشاهد الأن  الشعب المقاوم الذي يتعرض لعدوان غاشم قارب على العام وهو يناضل ويقاوم بل يفرض شروطه على الكيان المحتل هو خير مثال الان على عدم الخوف من الموت، حينما نشاهد الأب يدفن ولديه وهو يقف صابر محتسب رافع الرأس  لا يريد ترك أرضه هو مثال واضح على اختيار الموت، حينما نجد الأم وهي شاكرة محتسبة لفقدان بنتها ولا يزيدها هذا إلا صمود وثبات فهو والله  مثال حقيقي  على حب الموت ونسيان الحياة،
 نجد أهل غزة ضربوا لنا أروع الأمثال فى حب الموت واختيار المقاومة والنضال عن الدعة والقعود التى يعيش فيه معظم أفراد الأمة وهذا يذكرنا  بالفارق بين أُحد والحديببة  فارق بين الصبر والاستكانة بين حب الدنيا وحب الآخرة  فارق جعل من ثرى يهدي صديقته قصر من ذهب بينما أطفال غزة يموتون جوعاً، كان هذا الفارق جلياً  فى عدد المصلين فى صلاة الفجر وقت المجزة فى غزة ( أرض  الموت)بعدد المصلين فى باقى الدول الاسلامية وقت الفجر حيث الحياة وسعة العيش،

 سيظل الفارق بين أُحد والحديبية  هو نفس الفارق بين غزة وغيرها، فشتان بين من غرق في حياة الدِعّة والسُبات وبين من نجا إلي برّ الصبر والثبات.

د/ محمد كامل الباز



إغلاق


تعليقات الزوار إن التعليقات الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي وفكر إدارة الموقع، بل يتحمل كاتب التعليق مسؤوليتها كاملاً
أضف تعليقك
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
عنوان التعليق  *
نص التعليق  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
رد على تعليق
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
نص الرد  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
 
اسـتفتــاء الأرشيف

هل سيتخلى ترامب عن مخططه في تهجير مواطني غزة؟