تعاني معظم الدول العربية من نقص خطير في موارد المياه المتاحة سواء للأغراض المنزلية أو للزراعة والصناعة نظرا لعوامل عدة منها وقوع الوطن العربي في المناطق الجافة وشبه الجافة وسوء الاستخدام وغياب سياسات فعالة لتنمية موارد المياه وبالطبع هناك السيطرة الإسرائيلية على مصادر المياه الرئيسية في الأردن وفلسطين وسوريا.
وإذا كان الميزان المائي مختلا لغير صالح العرب فإن هذا الخلل يزداد مع الابتلاع الإسرائيلي المستمر لموارد المياه العربية نظرا لأن المشروع الصهيوني نفسه كان يربط منذ ما قبل قيام إسرائيل بين الأرض والمياه وكان توسعه مقترنا بموارد المياه، كما اقترنت عمليات مصادرة الأراضي الفلسطينية والاستيطان الصهيوني المتصاعد بالسيطرة الإسرائيلية على موارد المياه في المناطق المحتلة وفرض قيود شديدة على استخدامها من قبل المواطنين العرب وإطلاق يد المستوطنين في الاستهلاك.
مكن احتلال إسرائيل لكامل فلسطين مع عدوان 1967 تل أبيب من إكمال السيطرة على موارد المياه في القدس والضفة الغربية وغزة وبموجب الأمر العسكري رقم 158 لعام 1967 في قطاع غزة والأمر العسكري رقم 281 لعام 1968 في الضفة الغربية تم اعتبار المياه مملوكة لإسرائيل وخاضعة لإشراف الحكم العسكري. ولا يسمح لأي شخص بامتلاك أو تشغيل منشآت مائية إلا بإذن من القائد العسكري للمنطقة وينطبق ذلك على جميع الآبار بما فيها تلك التي كانت قائمة قبل عدوان 1967 وهكذا منعت إسرائيل نهائيا حفر آبار في المناطق المجاورة لخط الهدنة في الضفة الغربية وغزة إلى جانب منع استخدام نهر الأردن، بحجة الأسباب الأمنية كما فرضت إسرائيل قيودا على ضخ المياه من الآبار ووضعت عدادات لقياس كمية المياه التي يجري ضخها بل حددت الحجم الكلي للاستهلاك المسموح به في الضفة الغربية بما لا يزيد عن 100-120 مليون متر مكعب سنويا، وتحصل إسرائيل على 40% من احتياجاتها من المياه من الضفة الغربية وغزة تساهم الضفة الغربية وحدها بنحو 25% من هذه الاحتياجات.
لا تعتبر إسرائيل الضفة الغربية عمقا إستراتيجيا عسكريا فحسب بل عمقاً إستراتيجيا لاستيعاب المزيد من المهاجرين الجدد لاعتبارات توفير المياه اللازمة لهم، خاصة أن إسرائيل استنفدت الكثير من موارد المياه الجوفية في فلسطين المحتلة عام 1948، وأكثر من ذلك أن حكومات إسرائيل تقوم منذ فترة باستخراج المياه من الضفة الغربية وتخزينها في خزانات باطنية ثم تحويلها من أرض الضفة الغربية إلى داخل الكيان الصهيوني، وإذا كانت كمية المياه المتاحة سنويا في الضفة الغربية تقدر بنحو 1.9 مليار متر مكعب فإن إسرائيل تستولي منها على نحو 1.7 مليار متر مكعب ورفضت إسرائيل السماح للبلديات العربية مثل رام الله بحفر آبار ما لم تقم بتزويد المستوطنات المجاورة كما تتحكم إسرائيل في شبكة المياه حتى في المنطقة (أ) الخاضعة للسلطة الفلسطينية.
ومنذ عام 1967 وضعت إسرائيل مختلف الموارد المائية فى الضفة الغربية وغزة تحت مسؤولية "إدارة تخصيص المياه والتصديق على استخدامها"، وتزعم إسرائيل أن المياه الجوفية في الضفه الغربية ضرورية للمياه الجوفية في فلسطين 1948 والمهددة بالملوحة، نظرا للإسراف في استعمالها من قبل إسرائيل، إذ تشير التقديرات إلى أن 40% من موارد إسرائيل المائية يأتي من الضفة الغربية وغزة.
يصل إجمالي ما تنهبه إسرائيل من مياه الجولان والضفة وغزة إلى نحو ملياري دولار سنويا ويرجع رفض إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة إلى أن المياه العربية ماتزال تشغل حيزا هاما في التفكير الإستراتيجي الإسرائيلي حيث يعد أي تهديد لسيطرتها عليها بمثابة إعلان للحرب ولذلك يتوقع كثير من الخبراء أن تكون الحرب القادمة حربا على المياه. ومن المعلوم أن اتفاقات أوسلو لم تتعرض للصراع حول المياه كما أنه ساعد إسرائيل على الاحتفاظ بالسيطرة على كميات المياه المعطاة للفلسطينيين......