ضد النسيان .. بقلم: مناسك إبراهيم

الاربعاء 15/11/2023
منذ بدء مَعركةِ الطُوفان وأنا أحاول أن أُجاهِد معهم بالقلم، وأدافع عنهم ببليغ الكلمة، وأن أحمي ظهرهم بدرعِ الحَرف.. ولكن كُسرَ قلمِي، وخانت الكلماتُ عَهدي، ونبذتني الأحرفُ، فلم أقدرِ على أن أخُطَّ مقالًا أبثُ به ما عندهم في نَفسي!
في كل مرةٍ أستجمعُ الكلمات في عَقلي وأكتب المقال كاملًا في دفتر ذاكرتي، ولكن و بمُجرد أخذي للورقةِ و القلم أو فتحتي لمُذكرةِ الهاتف لبدء كتابة المقال، أجدُ أنه سُرعان ما تتبخرُ من رأسي الكلمات، وتهرب من ذاكرتي العبارات، فلا أجدُ في عقلي شيئًا لأكتبه، كأني ما كَتبتُ مقالًا في حياتِي قَط، أو كأنَّ الكلمات تُباعُ في دُكانِ العقل، وأنا للأسفِ مُفلسةٌ ليس لدّي ثَمنُ حرفٍ ناهيك عن ثمنِ مقالٍ به ألفُ حَرف!
مُذ تعاهدتُ الكِتابة وأنا أخشى من أن تأتي هذه اليد -يَدُ كاتبة السطور- وتَشهد عليّ يوم القيامة أنني كَتبتُ بها التفاهات، وخططتُ بِها التُرهات؛ فلم أهتمَ بقضيةٍ مركزيةَ، ولا بِشهيدٍ في بقعةٍ من بقاع الأرض المَنسية، دافعتُ بها عن باطل ولم أكتب بها حرفًا واحدًا أدافعُ فيه عن الحَق، ما ذا سأقول يوم أسالُ عن هذا القَلم؟ هل سيكون شاهدًا لي أم عَليَّ؟ 
والآن يجول في خاطري فقط سؤال: ماذا سأكتُب الآن؟ أقصد كيف يُمكنني أن أختصرَ المُعانةَ التي يمّر بها المُسلمون في فلسطين، وسُوريا، وأفغانستان، والسودان، وغيرهم من المُسلمينَ الذين يذوقونَ مرارة الحرب في شَتى البِقاع في مقالٍ واحد أو حتى عشرة مقالات؟ أأكتُب عن أشلاء الأطفال وجِراح الشيوخ والنِساء؟ أم عن القذائف التي تستهدِف المدنيين لا المُحاربينَ في ساحة القتال؟ بريِكم قولوا لي ماذا أكتب يا ناس؟
الكِتابة يا سادة يا كرام ليست فقط جمع كلماتٍ وترتيبَ جُمل، أو رفع مبتدأ وخبر كَان، الكِتابةُ جِهاد، معركةٌ وطُوفان، وكما قِيّل:( الكِتابة مَعركة ضِد النَسيان! ).
واليوم قد اشتدّ الوَطِيسُ وارتفعت السيوف، بَرز المُحاربون وهَرب المنافقون، لم يَبقى في هذه المَعركة غير القِلّة الصَادِقون؛ الذين لا تَكتبون من أجل رئيسٍ أو وَزير، لا يريدون بيعَ الحرف لأجلِ المال والجَاه، بل يريدون وضع الحقائق على صفحاتِ التاريخ حتى يذكرها الزمان وتتناقلُها الأجيال. نعم الكِتابة هي قائد في معركة النسيان، لكن هل ينسحِبُ الجيشُ إذا قُتّل قائده أو فَرَّ من ميدان القتال؟ لا يمكننا أن نُسمي الجيش حينها جيشًا بل مَجموعةَ جُبناءَ لا يَعرفونَ شيئًا غير اتباعِ القادّةِ والرؤساء! وكذا الحَالُ في هذا السِياق؛ فلو أنّ الله مدّ لنا في الأعمارِ ووصلنا إلى الخمسينِ أو الستين من العَمر هل تتوقعونَ أننا سننسى هذا الطُوفان؟ هل سننسى ما فعله بني صهيون بأهلي غزة وباقي القِطاعات؟ وهل سننسى مَشهد تحليق المُجاهدينَ في سماءِ القُدسِ ومواجهتهم للعَدو من داخل البَحر؟ هل سننسى صوتَ المُلثم أبو عُبيدةَ وكتائب القسّامِ ومعهم كتائب جُنين وحماس؟ وهل يَا تُرى سننسى تَكالبَ الدول العربية والغربية على فلسطين ونِسيانهم أنّ الأرض الفلسطينية لم ولن تكون يومًا لليهودِ ولا لأي دُولةٍ تابعةٍ للإحتلال؟ أم ماذا عن جُنودِ الظِلِّ الذين يفتكونَ في صمتٍ بالأعداء؟ والله لو أنّا نسينا كُل هذا فلا بُد أن نكونَ قد أصيبنا حينها بضربٍ من ضُروبِ الجنونِ أو ربما بمرضٍ عُضال!
كوننا كُتّابٌ فنحن مُطالبون بتدوينِ الأحداث، علينا أن نحرث ثَغر الكلمةِ من الهَلاكَ، وإنَّ أُمتنا قد تَهاوت ووصلت إلى حالٍ من الجهل بسببِ جَهل الكُتّاب، وبسببِ طَبعِ دُورِ النشر للتُرهاتِ التي لا يُمكن أن نُطلِّق عنها كِتابات، وفي مَعرضٍ ما -كُلنّا نعرفه لذلك لا داعي لذكر الأسماء- يتمُ عزل الكُتب التي تبني الشباب وتُعزِزُ القِيم وتَرفع من مُستوى الوعِي الذي أضحى قاب قوسين أو أدنى من الإنحطاط، ثم يتم فيها عَرض الكُتبِ التي تحوي بين دفتّيها أشياءً ما أنزَل الله بها من سُلطان! فبربكِم كيف يُمكننا أن ندفاع عن أمتنا ونَحنُ نحثُ القُرّاء والشباب على قراءة كُتبِ الغَرامِ ولا نحثهم على قراءة كُتب الجِهاد؟ أو كيف نَرفع الجهل ونحن نعرِّض لهم في المعارِض فقط روايات الفانتازيا والرعب وكذلك أنواعًا من الرومانسيات ونترفعُ عن عرضِ كُتبِ الأحديث الشريفة وسِيّر أعلام النُبَّلاء؟ باللهِ عليكم يا مَعشر الكُتابِ أفيقوا من هذا السُبات! هُناك جيلٌ كاملٌ ينتظِرُ منكم تَحريكَ الأقلام وتَحرير الأفكَار، ويا أصحابَ دُورِ النشر ومَعارض الكِتاب، أجعلوا الفائدةَ هي الأساس، أنشروا من الكُتبِ ما يغَذِي تلك العقول لا ما ينزِعُ منها طيّب الأفكار، قِفوا على هذا الثَغرِ حتى لا نَصلِ إلى الإنحطاطِ ونكونَ خلف كُل الأمم بلا أمجادٍ ولا حتى تاريخ مُسطرٍ في كِتاب!



إغلاق
تعليقات الزوار إن التعليقات الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي وفكر إدارة الموقع، بل يتحمل كاتب التعليق مسؤوليتها كاملاً
أضف تعليقك
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
عنوان التعليق  *
نص التعليق  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
رد على تعليق
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
نص الرد  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
 
اسـتفتــاء الأرشيف

اختر الحدث الأبرز عام 2024!