احد اهم الاسباب التي يبرر بها البعض الثورة العربية ضد الحكم العثماني، ان العثمانيين ، لا سيما اعضاء الاتحاد والترقي، اصحاب النزعة القومية التركية قد همشوا العرب تماما من كل المناصب الإدارية التي في الحكومة المركزيه في اسطنبول او حتى في بلادهم! فكانت الثورة رد فعل طبيعي للخلاص من الترك ونزعتهم الاستعلائية.
ويرد محبو العثمانيين، من يرون فيهم الظل الاخير الذي اظل المسلمين قبل تفرقهم الى دول وشعوب مختلفة، ان العثمانيين دولتهم نشأت خارج الاراضي العربية، وتنامت وصارت دولة عظمى بعيدا عن العرق العربي، بعكس دولة المماليك مثلا او الايوبيين التي اسسها غير العرب ولكنهم حكموا المنطقة العربية، فاستخدموا العرب في بطانتهم ووزرائهم واصحاب العمامة والقلم. بالنسبة للعثمانيين الامر يختلف، فعندما اتجهوا لاحتلال الاراضي العربية كانت دولتهم كاملة مكتملة، لا تشكل العناصر العربية بالنسبة لها اي إضافة، الى جانب اختلاف الثقافة واللغة. فسلطان المماليك مثلا كان يتحدث التركية ولكن يفهم العربية الى حد كبير، وقد يتحدثها بطلاقة امثال السلطان قايتباي والغوري وطومان باي، ولكن سلطان العثمانيين لا يعرف العربية الا قليلا، وبعضهم لا يعرف فيها حرفا واحدا! فما الداعي لاعتماده اذن على بعض العناصر العربية؟
ونقول، ان هذا قد يكون مفهوما ومقبولا خلال القرن السادس عشر الميلادي، ولكن ان يستمر حتى بدايات القرن العشرين حيث تغير العالم كليا، وبدأت روح القومية تسري بين الأمم، بنفس القدر الذي تسري به افكار التحرر والاستقلال، فكلن يجب على الادارة العثمانية ان تغير من فكرها ان ارادت ان تحتوي تلك الاعراق العديدة التي يتألف منها نسيج المواطنين في دولتها الكبيرة، ولكن هذا لم يحدث! حاول السلطان عبد الحميد اواخر القرن التاسع عشر اعلاء فكر القومية الاسلامية، ردا على دعوات القومية التركية التي اطلقها اعضاء الاتحاد والترقي وتركيا الفتاة، كما شرع في ربط الحجاز وبغداد باسطنبول بخطوط سكه حديد، وهذه ولا شك ارادة في التقارب بين اطراف بلاده، ولكن يد القوميين كانت أطول وصوتهم كان أعلى، فما ان تم الانقلاب عليه عام 1909م حتى انتهى بالفعل كل ماهو غير تركي في اسطنبول! كما عومل العرب في الجيش العثماني معاملة سيئة، انتهت بالوصم بالخيانة والاعدام رميا بالرصاص من قبل احمد جمال باشا والي سوريا (جمال باشا المجنون) قائد حملة ترعة السويس عام 1915م. فكانت هزيمة الأتراك امام قوات التحالف خلال الحرب العالمية الأولى في العراق والشام واسطنبول نفسها. خسرت الدولة العثمانية في معارك الشام وحدها ثلاثة جيوش بعتادها وقواتها التي وقع اغلبها في الاسر او هامت على وجهها في الصحراء. لا لانهيار خطوط الإمدادات فحسب، ولكن لان كل من كان في سوريا حتى الحجر والشجر كان يقاتل ضد العثمانيين.
اراد العثمانيون بخوضهم تلك الحرب إلى جانب الألمان ان يجددوا شباب الدولة، ويمدون في عمرها مائة عام اخرى او مائة وخمسون! وهم يعلمون ان انحيازهم للقومية وتهميشهم للعناصر الاخرى من بلادهم سيقضي عليهم ويعجل بنهايتهم..