لم يعد بحياتنا هناك شيء من الخصوصية أو حتى احتكار الأخبار في إغلاق اتساع المدار. قد شُرّعت أبواب مواقع التواصل الإجتماعي مصراعيها لاقتحام الأغراب عالمنا من كل جانب كغزاة برابرة دون أخذنا للحيطة بتحويط مدينتنا بخفارة الجنود من أجل الدفاع عنا وكأنها بمثابة دعوة عامة للسماح للأخرين بإبداء حرية الرأي وتخويلهم مناصب قضاة يدينوننا بالجُرم أو يعتقوننا من تحت سطوة صك أنيابهم على غضاضة شخصياتنا في أعسر الأزمات. نتلاطم بألسنتهم ونغرق في سيل لعابهم لمضغنا كفاكهة شهية تقدم على موائد مجالسهم.
لم لا! ونحن من دعوناهم لالتهامنا عندما بلقنا أبوابنا لهؤلاء المتطفلين الأغبياء خلف شاشات هواتفهم الذكية أو ربما نحن من نستلذ تقديم أنفسنا كوجبة لإشباع فضول رواد الثرثرة وجمهور المجزرة الذين يصفقون لنا في الأفراح والأحزان إما بنفاق المؤازرة أو برثاء المخاذلة. منهم من يبطن لنا الشماتة تحت عبارات المعاضدة ليختلط علينا فهم ما تبطنه أنفسهم من أحقاد خفية لنا. وقد يكون التهليل بالمباركة هو نوع من المراهنة على الإخفاق لنا بالإستمرار في سبل النجاح، فلو الأذن رجفت كجناحي طائر الطنان كلما تحدث أحدهم عنا لما استكان الطنين بالاستسلام.
لو تُركت وظيفة نقل الأخبار لليمام لما حملوا عبئ الآثام في أكل أجسادنا التي لا تنام من المطاردة في فرط الإستغابة لأحوالنا بالمراقبة. كأن الجميع بهذا العالم منزه عن الخطيئة ومحلل لكل مصيبة. هم شعب الله المختار الذين يسارعون في إصدار الأحكام في فرض الإتهام وكأنهم خبراء محنكين في تحليلات اليقين ينقسمون إلى فئات عدة في مجالات شتى رغم الجهل بالمعطيات والفقر في الثقافات. عذرًا، فنحن من سلمناهم زمام القرار كلجنة محلفين يبدون عشوائية التقييم.
ليتنا نحكم وصد الأقفال ونسدل الستار على منصات العرض لحياتنا الشخصية دون تردد، فكل ما يحدث لنا هو شيء خاص لا يجب أن نزج به في يد العابثين كي لا نقع ضحايا مساكين لا حول لنا ولا قوة أمام الأعداء المحاوطين لإخفاقنا بالإنتظار لنقع في وكر الإحتكار لبشاعة الإنهيار في خانات اليك لما كُتب علينا من بؤس الأقدار.