كتب/خالد عبدالحميد مصطفى: الغرب... والعرب... ومصر

في عالم تتبدل فيه المواقف، وتُباع فيه المبادئ بثمن بخس، برزت غزة كمرآة عكست وجوهاً كثيرة، وفضحت أخرى. وبينما كانت أصوات الأطفال تحت الركام أعلى من كل بيانات الشجب، وبينما كان الدم الفلسطيني يسيل أمام أعيُن العالم، إنقسمت المواقف إلى ثلاث كُتل: الغرب... والعرب... ومصر.

الغرب" ذلك العالم الذي لا يكُفّ عن التشدُّق بحقوق الإنسان، سقط سقوطاً مدوياً في إمتحان غزة. صمتٌ مُخجل، ودعمٌ غير مشروط لإسرائيل، وتبريرات مشينة للإبادة الجماعية، وكأن حياة الفلسطينيين لا تندرج تحت التعريف الغربي لـ "الإنسان".
بل زادت الغطرسة الأمريكية في إشعال الفتن، وتصدير الحروب، وجرّ العالم شيئاً فشيئاً نحو حافة هاوية... نحو حرب عالمية ثالثة، ستكون الأكثر دماراً في تاريخ البشرية، وكل هذا تحت لافتة المصالح الأمريكية وحماية "الكيان المدلل".

أما العرب" فأي حديث يُقال عنهم؟ الموقف العربي الرسمي لم يكن فقط باهتاً، بل كان مُخزياً، خاصة من تلك الدول التي تملك أوراق ضغط إقتصادية وسياسية على الغرب. ولكنهم آثروا الصمت، بل وركنوا إلى مصالحهم الآنية، غير مُكترثين بدماء تُراق، وأشلاء تُنثر، ومقدسات تُدنَّس. وكأن القضية الفلسطينية لم تكن يوماً قضيتهم الأولى.

وهنا... تظهر مصر.
مصر، الدولة التي رفضت أن تكون مجرد متفرج، أو شريك في صمت القبور. مصر التي أعلنت موقفاً صريحاً ومباشراً ضد العدوان، وهددت، بوضوح غير مسبوق، أنها جاهزة لكل السيناريوهات، وأولها الحرب، في حال تجاوزت إسرائيل خطوطاً لا يُمكن السكوت عليها. بل وصل صوت القاهرة ليحمل تهديداً مباشراً: "بمحو إسرائيل من على الخريطة، ولن يكون ذلك مستحيلاً إن دخلت مصر الحرب. فمصر من بعد 2013. قامت بتجهيز الجيش إستعداداً لهذه السيناريوهات المستقبلية والتي كانت. لكن مصر لم تستخدم فقط لغة السلاح، بل وظّفت قوتها الدبلوماسية في كل إتجاه، لتجعل من غزة جرحاً مفتوحاً في الضمير العالمي. ومن خلال جهودها الإنسانية وإستقبالها للمصابين، وفتح معبر رفح، ونقل الصورة الحقيقية للعالم، نجحت مصر في جذب أنظار المجتمع الدولي إلى مأساة غزة.

حتى فرنسا، التي لطالما كانت ضمن معسكر الصمت، تغيّر موقفها بعد زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون للقاهرة، ورؤيته لمعاناة الأطفال الفلسطينيين في مستشفيات مصر. وفي لحظة فارقة وغير مسبوقة أو متوقعة، أعلنت باريس إستعدادها للإعتراف بالدولة الفلسطينية... فهل كانت هذه الخطوة لتحدث لولا الضغط الدبلوماسي المصري؟

ختاماً" ليست هذه حرباً على غزة فقط... إنها حرب على الوعي، على الكرامة، على من تبقى له قلب ينبض بالإنسانية.
وقد كشفت المأساة عن كُتَل ثلاث:
الغرب الذي فضح زيف شعارات. والعرب الذين باعوا صمتهم مقابل البقاء في مناطق الراحة.
ومصر... التي إنفصلت عن المشهد العربي التقليدي، لتصنع مشهداً آخر من الكرامة والمواجهة.

في النهاية، لا تُقاس الأمم بحجم سلاحها فقط، بل بموقفها في لحظات الانكسار الكبرى.
ومصر... قالت كلمتها.



إغلاق


تعليقات الزوار إن التعليقات الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي وفكر إدارة الموقع، بل يتحمل كاتب التعليق مسؤوليتها كاملاً
أضف تعليقك
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
عنوان التعليق  *
نص التعليق  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
رد على تعليق
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
نص الرد  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
 
اسـتفتــاء الأرشيف

هل سيتخلى ترامب عن مخططه في تهجير مواطني غزة؟