إنها الحكومة الثالثة التي يكلف الشيخ أحمد النواف بتشكيلها، وهي الـ42 في تاريخ الحياة السياسية بدولة الكويت، حيث ظل غياب التوافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية السمة الغالبة للحكومات المتعاقبة، مما جعل الاستقالة هي الحل الأكثر توقعاً بين حين وآخر.
يأتي التعيين الذي حدث أمس في وقت ينشغل فيه الشارع الكويتي بقضايا جدلية عالقة حول الإسكان والصحة والتعليم والترفيه، استدعت قراراً أميرياً بتشكيل حكومة جديدة تخلف التي قبلت استقالتها قبل أسابيع، وذلك "بعد المشاورات التقليدية"، وفقاً للمرسوم الأميري الذي تترقب الأوساط بعده أسماء الوزراء الجدد.
وجاءت استقالة الحكومة الماضية مطلع العام الحالي، نظراً إلى ما آلت إليه العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بعد صراع مع البرلمان بسبب قوانين وصفت بالشعبوية أراد النواب تمريرها من خلال اللجان البرلمانية، ومنها أهم قضية تشغل الشارع وهي "إسقاط القروض" عن المواطنين، التي تقول الحكومة إن كلفتها المالية عالية جداً.
وبعد الإعلان عن تكليف الشيخ أحمد النواف الصباح، غرد بعض النواب بأن رئيس الحكومة لم يفِ بتعهداته، بينما قرر رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون رفع الجلسة غداً الثلاثاء ما لم تحضر الحكومة، وسط سجال شعبي وسياسي بين وزراء ونواب سابقين ومحللين سياسيين حول آفاق التعاون المنتظر بين السلطتين في الإمارة الخليجية ذات الموقع الاستراتيجي.
التنازل شرط العبور
وقال الوزير السابق أحمد باقر لـ"اندبندنت عربية"، "إذا كان المجلس ينوي التعاون مع الحكومة فيجب أن يوفر القوانين والمشاريع التي لا تثير الخلاف كي لا يحصل الصدام، ويبقي على المشاريع التي تلتقي مع الحكومة في نصف الطريق".
أما إذا بقي البرلمان مصراً على المشاريع التي أدت إلى انسحاب الحكومة من الجلسات، مثل إسقاط القروض وتعديل اللائحة الداخلية للمجلس والاقتراحات التي أدت إلى عدم حضور الحكومة مثل التصويت على عزل الرئيس بغالبية الأصوات، فإن باقر يرى أن "كل حكومات العالم لا توافق عليها"، وليست الكويت استثناء.
حل مجلس الأمة الكويتي للمرة العاشرة في تاريخه
وتابع "لكن إذا قرر المجلس استبدال مشاريع أخرى تكافح الفساد بهذه المشاريع، مثل تأسيس اللجان البرلمانية للقيم ومشاريع تصلح من اقتصاد الكويت، ومنها تعيين الشباب الكويتي في القطاعين العام والخاص، وإقرار البديل الاستراتيجي للحد من فوضى الرواتب، فتلك مشاريع مهمة قد تؤدي إلى التعاون بين السلطتين وتجنب الصدام".
تطورات منتظرة
وعن دخول نواب جدد في التشكيلة الحكومية أضاف باقر "لا أعتقد أن هناك تغييراً قد يحدث بدخول نائب واحد. ولتكون الحكومة قادرة على العمل يجب أن يمثلها وزراء مخضرمون لا يقعون في الأخطاء الفادحة، ومنها إقرار المعاش الاستثنائي مع التقاعدي بستة آلاف دينار (نحو 20 ألف دولار) حتى آخر العمر، ويجب أن يكون هناك استشاريون قانونيون وخبراء في الاقتصاد، كل ذلك بالتأكيد سيؤدي إلى نجاح عمل الحكومة ويحقق التعاون مع المجلس والعكس صحيح".
من جهته توقع النائب السابق بدر الداهوم لـ"اندبندنت عربية" أن يكون التغيير في تشكيلة الحكومة في حدود نصف أعضاء مجلس الوزراء ولا يكون شاملاً.
وقال "إذا ما نظرنا إلى المرحلة السابقة فإن الوضع لن يتغير، والشعب الكويتي غير متفائل مع التصرفات التي أخرت تشكيل الحكومة، فأصبح هناك حالة إحباط إلا إذا كان هناك دراسة للمرحلة الماضية ومعالجة كل هذه الإجراءات، ومن باب التماسي رأي الشارع الكويتي، نتوقع ألا يحدث تغيير، وهذا غير جيد"، على حد قوله.
وعن أهم الملفات الجدلية المنتظرة بين السلطتين يشير الداهوم إلى أن "ملفات كثيرة منتظرة من ضمنها ملف الإسكان والرواتب والتوظيف ومواجهة البطالة، وإنشاء مشاريع جديدة، خصوصاً في القطاع النفطي، إلى جانب إقرار قوانين تختص في مجال الحريات والنظام الانتخابي، وملف غرفة التجارة، وإلغاء الوكيل المحلي، وقانون الانتخابات وشروط الترشح، واستكمال مشروع العفو".
مرحلة جديدة محفوفة بالتحديات
وعن دلالة تعيين النواف رئيساً للحكومة مجدداً للمرة الثالثة يؤكد المحلل السياسي الكويتي محمد الوهيب أن "القرار كان متوقعاً لكثير من المراقبين لكنه يعكس ثقة القيادة السياسية، مما يبعث كثيراً من الأمل، بوصفه شخصية متزنة منضبطة، كان لها خبرة في مناصب قيادية عليا كثيرة في الدولة، كمنصبه في الحرس الوطني ووزارة الداخلية وصولاً إلى رئاسة الحكومة، إضافة إلى أن سجله نظيف من قضايا الفساد الأخيرة التي عصفت بدولة الكويت في الـ15 سنة الماضية".
وأوضح أن من أبرز التحديات التي تواجه رئيس الحكومة بعد تعيينه "تأليف حكومة قوية قادرة على الوقوف في مجلس الأمة والدفاع بشراسة عن مشروعاتها وخططها وفتح ملفات الفساد بكل شفافية وأريحية وعديد من التحديات الأخرى".
وأقر الوهيب بأن مصادمات أخرى منتظرة مع مجلس الأمة وكثير من الملفات العالقة، التي على أثرها انسحبت الحكومة السابقة من جلسات مجلس الأمة، مؤكداً أن تلك الملفات "ستثير كثيراً من العواصف السياسية إذا ما طرحت أولاً، لذلك يجب أن يتحلى نواب مجلس الأمة وأعضاء الحكومة بالحكمة والحنكة في عدم الخوض فيها أو طرحها، وذلك لوجود موضوعات أهم منها عموماً... ويتطلع الشعب إلى حكومة قادرة بالفعل على إنجاز آمال الناس في هذه المرحلة المفصلية من التاريخ الحديث".
وتبقى المراهنات الشعبية على نجاح أو فشل الحكومة الجديدة، فإما أن تقدم المعارضة البرلمانية تنازلات من أجل الاستقرار البرلماني، أو تبقى الصورة السياسية للتعاون بين السلطتين على ما هي عليه، وسط تكهنات بأن "هذه ستكون مفصلية"، لأن عدم التعاون قد تترتب عليه قرارات صعبة لمح إليها صانع القرار في خطابات سابقة.