كتب د/ محمد كامل الباز: لماذا لم نفرح بتأهل المنتخب؟

لماذا لم نفرح بتأهل المنتخب؟

من أكبر المشاكل التي تواجه الدولة هي ابتعاد الكثير من أجهزتها عن الحياة اليومية، تشعر كأن المؤسسات الرسمية في وادٍ، والناس في وادٍ آخر.
على سبيل المثال: الإعلام. يعيش الإعلام وكأنه يغرد وحيدًا دون مستمعين أو متابعين، حتى في كثير من الأعمال الدرامية والسينمائية تُخفى كثير من الحقائق وتُظهر أمورًا لا نراها من الأساس في الشارع المصري.

يظهر ذلك جليًا في المنتديات والمواقع؛
تجد الإعلام يُظهر الفنان الفلاني كأنه بطل قومي، بينما تجد التعليقات من الناس عكس ذلك تمامًا.
تجد عيد ميلاد الفنانة الفلانية ويحتفل بها الإعلام ويدّعي محبة الناس لها، فتدخل إلى التعليقات على الصورة فتجد ما يناقض هذا الحب وينافيه.

زاد هذا الأمر وضوحًا في الرياضة.
منذ أيام ليست بالبعيدة، صعد منتخب مصر إلى كأس العالم بأمريكا والمكسيك وكندا عام ٢٠٢٦.
كانت مباراة الصعود بعد الفوز على جيبوتي خارج الأرض بهدفين نظيفين.
الأجيال الحديثة ربما لا تتفهم عقدة الصعود إلى كأس العالم التي لازمتنا سنين وعقودًا؛
جماهير الكرة من عمر العشرينات فما دون لا تقدر ما معنى الصعود إلى كأس العالم بالنسبة للجماهير المصرية.

مشكلة كروية كانت مستعصية الحل دومًا على مختلف أجيال الكرة المصرية بل والمتميز منها،
عقدة من الخمسينات لم يستطع عظماء اللعبة في مصر حلّها حتى جاء الصعود في تسعينات القرن الماضي.
لم يستطع فك شفرة تلك التصفيات أفضل من لعب الكرة في مصر عبر أجيالها.

لم ينجح جيل صالح سليم وحمادة إمام والشاذلي وأبو جريشة في الصعود،
أيضًا فشل جيل حسن شحاتة وفاروق جعفر والخطيب ومصطفى عبده.
أجيال تعاقبت وراء أجيال، وأمل الصعود دومًا ما ينكسر في التصفيات المؤهلة،
حتى استطاع جيل الجوهري الصعود عام ١٩٩٠.

ثم عادت ريما لعادتها القديمة، وفشلت مواهب عديدة في الصعود بعد ذلك، مثل حازم إمام وعبد الستار صبري وأحمد حسن،
ومن بعده أفضل الأجيال التي لعبت كرة قدم جميلة واستحوذت على أفريقيا ثلاث دورات متتالية،
وهو جيل المعلم حسن شحاتة (أبو تريكة - بركات - حسني عبد ربه - عماد متعب - عمرو زكي...)،
وانكسرت آماله هو الآخر في الصعود.

ألا يستدعي كل هذا فرحة عارمة بالصعود؟
ألا يستوجب كل تلك الإخفاقات السابقة فرحة كبيرة بهذا الصعود؟
للأسف، لم يحدث أي شيء من هذا.

فوجئنا أثناء المباراة أن المقاهي خاوية، والناس مزدحمة في الشوارع كالمعتاد.
لاحظنا شيئًا غريبًا لم نعهده، خصوصًا مع المباريات الحاسمة، وهو انشغال الناس وعدم متابعة المباراة أصلًا!!

طبعًا الإعلام بعد المباراة عاد يمارس هوايته في "الانفصام الواقعي"،
وأخذ يُظهر اللقاءات والفرحات وكأن مصر كلها لم تنم بعد الصعود.
لكن، كالمعتاد، كشفت المنتديات والمواقع حقيقة ما حدث،
حتى الجماهير في التعليقات، منهم من لم يكن يعلم من الأساس أن هناك مباراة للمنتخب!!

ما سبب عدم الفرحة وذلك التجاهل؟
للحق، أنا لا أعرف سببًا حقيقيًا.

هل السبب يرجع لما آلت إليه الرياضة في مصر من دعم ومساندة فريق واحد على حساب باقي الفرق بل والمنتخب نفسه؟
المدير الفني نفسه ظهر من اختياراته أنه يخاف ويضع تشكيلًا مغصوبًا عليه حتى يظل في منصبه،
مما جعل الجماهير تشعر بالغضب فَعَكَف الناس عن متابعة المباريات سواء المحلية أو الدولية؟

أم ترى أن السبب سهولة المنافسة في المجموعة المكونة من ستة فرق،
لو دخلت بينهم فرق المؤخرة في الدوري المحلي لفعلت مثلما فعل المنتخب؟

أم ترى أن السبب هو شحن الناس والضغط عليهم في كافة نواحي الحياة فلم يعد هناك مكان للفرحة في اللعب واللهو؟

أم يكون السبب هو تلك الكأس المجانية التي عدلت الفيفا نظامها وجعلتها تقريبًا لثلث دول العالم، فلا مجال لأي منتخب أن يغيب عنها؟

أسئلة كثيرة تحتاج لإجابات واضحة من الإعلام الرياضي،
الذي يجب عليه هو وباقي أجهزة الإعلام أن ترصد الشعور الحقيقي للمواطن ومدى رضاه أو رفضه لكثير من الأشياء دون كذب أو تضليل.

تشعر أن الجماهير عبّرت عن رفضها لكل إملاءات الإعلام واتحاد الكرة،
وتجاهلت صعود منتخبنا القومي لأقوى وأفضل المسابقات.
ردّت على توجيه الإعلام وتحيّزه وعدم اكتراثه بمشاعر الجماهير وآرائها،
فكانت النتيجة صعودًا باهتًا لم يعكس فرحة الشارع المصري أو هويته.

من هنا نوجّه رسالتنا لكل العاملين في الحقل الرياضي:
الجماهير هي عصب كرة القدم، وهي العامل الأهم في اللعبة.
ولو استمر الإعلام والدعم لأندية بعينها وترك باقي الأندية،
سوف يحدث ما لا يُحمد عقباه، ويزداد عكوف الجماهير عن مباريات الكرة،
وتتحول لمتابعة برشلونة وريال مدريد بدلًا من الأهلي والزمالك،
لأنهم سيجدون منظومة حقيقية دون مجاملات أو بروباغندا إعلامية.

د/ محمد كامل الباز



إغلاق

تعليقات الزوار إن التعليقات الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي وفكر إدارة الموقع، بل يتحمل كاتب التعليق مسؤوليتها كاملاً
أضف تعليقك
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
عنوان التعليق  *
نص التعليق  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
رد على تعليق
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
نص الرد  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
 
اسـتفتــاء الأرشيف

برأيك .. هل سيكون هناك سلام بين سوريا و اسرائيل؟