كتب د/ محمد كامل الباز : لهذا لم أشجع الأهلي!!


مما لا شك فيه أن كرة القدم مثلها مثل أي صناعة في العالم، تتغير بمرور الوقت، تختلف ملامحها، تسويقها، وأيضًا طريقة لعبها، بل سأزيدك من الشعر بيتًا: وأسلوب التشجيع أيضًا وسلوكه تغيّر.
في الماضي القريب كان من العيب ألا تشجع الأهلي وهو يلعب خارج مصر، والعكس مع الزمالك أيضًا. كنت ستجد من ينتقدك وينهرك على هذا السلوك.
هذا كان في الماضي، أما الآن فالموضوع اختلف تمامًا. أصبحت جماهير الكُرة تفرح في هزيمة المنافس عندما يلعب خارج الوطن أكثر من فوز ناديها، أصبح الأهلاوية يحفّلون على الزملكاوية عند خروجهم من بطولة إفريقيا، والعكس صحيح!!

لماذا انكشف برقع الحياء إلى هذا الحد؟
ما سبب هذا التغير التدريجي، وتمني هزيمة ابن بلدك، بل والمجاهرة بذلك علنًا؟
لماذا هذا التشفي؟ ومن خلق هذا التوتر بين جماهيرنا؟

منذ أيام كانت آخر مباريات الأهلي في كأس العالم للأندية، والتي ودّع على أثرها الأهلي البطولة من دورها الأول دون تحقيق أي فوز.
عرض مخيب للآمال في ظل صفقات قام بها الفريق الأحمر قد تتعدى ميزانيات دول، اشترى هنا وهناك، وفي النهاية عاد خالي الوفاض دون أي شيء.

بعد خروج الأهلي، أخذت صفحات الزمالك تحفل على الأهلاوية على كافة صفحات التواصل، ليزداد الاحتقان بين الطرفين.
ولكن، ما سبب كل هذا التعصب الذي آلت إليه الرياضة في مصر؟
من المسؤول عن خلق هذا الجو من التوتر بين قطبي الكرة المصرية؟

في العقدين الأخيرين، بدأت كل موارد الرياضة من إعلام، واتحادات، وروابط أندية، تعمل لصالح نادٍ واحد.
منذ عقدين، ورئيس الأهلي يستخدم نفوذه وعلاقاته من أجل شيء واحد، وهو إضعاف الخصم والسيطرة التامة على سوق اللاعبين، بل زاد الأمر، حيث بدأت عدد من أندية الشركات التي تربطها علاقات قوية بالأهلي، الإعلان عن عدم التفريط في أي لاعب للزمالك، وأن البيع مسموح للأهلي فقط.

أصبحت مواعيد وجداول المنتخب خاضعة لسيطرة الخطيب، بل ليس من حق أحد أن يقيم ودية أو يلغيها قبل موافقة إدارة الأحمر.
استخدم علاقاته في الخليج لتفريغ الزمالك من أي نجم أو مدير فني كفء، إما مباشرة أو عن طريق الكباري الرياضية التي نصبها وأشرف على إنشائها.
فعل كل شيء من أجل تدمير المنافس، اشترى معظم لاعبيه حتى لو لم يكن يحتاجهم، استغل إعلامييه للكيد على صفحاتهم واستفزاز الخصم.

وبعد كل هذا، ماذا كانت النتيجة في أول محك حقيقي يدخله هذا النادي العملاق في تاريخه؟
لا شيء، خروج مخزٍ، وانكسار لن يُنسى بأي صفقة أو بطولة ضعيفة.
ذهب الأهلي للولايات المتحدة الأمريكية وهو يحمل فريقين، إحداهما نجوم وأعمدة منافسه الذين أخذهم غيلة، ولكنه للأسف لم يفعل بهم شيئًا، لم يسجل حتى فوزًا يحفظ به ماء وجهه!!

لكن في المقابل، هل جمهور الزمالك مخطئ في هذا التشفي؟
هل هو مطالب بضبط النفس بعد رؤيته لاعبيه الذين أظهرهم ولمّعهم يرتدون قميص المنافس بكل أريحية؟
ليس هذا فقط، بل دعم الكثير من الإعلاميين تلك الصفقات، لدرجة خروج إعلامي قديم وكبير في السن يعلن عن صفقة انتقال لاعب الزمالك بكل تشفٍّ وكيد.
لم نسمع من إعلامي واحد أن ما يفعله الأهلي خطأ وسقوط أخلاقي، أن تذهب وتُعصي لاعبًا على ناديه.
لم ينتقد ناقد نادي المبادئ الذي يستخدم نفوذه وأموال داعميه من أجل التكويش على الأخضر واليابس!!

لم يحدث كل هذا، بل الأغرب أن يغضب البعض ويندهش من كيد وتشفي الزمالك بعد الخروج المهين للأهلي من كأس العالم للأندية، بعد تسخير كل الإعلام لمؤازرة الفريق الأحمر في أمريكا وكأنه مسافر لفتح القدس أو الفوز بجائزة نوبل!
وتجاهل فريق مصري آخر لم يمضِ على فوزه ببطولة قارية أسبوعين!!
لم يتم استضافة لاعب!!
لم يتم تكريم أحد!! لم، ولم، ولم...

وبعد كل هذا، يندهش البعض من مدى التعصب الذي وصلت إليه الرياضة في مصر؟
قديمًا كان الزمالك يؤازر الأهلي في إفريقيا، والأهلي كذلك. كانت الجماهير تتنافس فيما بينها، ولكن كان هناك الاحترام والتقدير، لأن الإدارات كانت على مستوى المسؤولية.
كان جل المنتخب من الفريقين، أما الآن، لو تألق لاعب في الأبيض تنهال عليه العروض والمغريات ليترك الفريق، ولو ذهب الزمالك لمفاوضة لاعب، تجد سماسرة الأهلي في المكان يدفعون أكثر، مع أن هذا اللاعب سيجلس دكة، وربما خارج الدكة، ولكن المهم ألا يلعب في الزمالك...

حتى تناول الإعلام كان داعمًا للتعصب والفرقة بين الأندية.
الإعلام الذي تجاهل تأجيل مباراة لبيراميدز في نهائي قاري، أصبح يطالبنا بمؤازرة الأهلي في كأس العالم للأندية.
الإعلام الذي أخذ يتجاهل الفرق المصرية (غير الأهلي طبعًا) ويقيم لها المحاكمات والانتقادات لأي هزيمة خارجية، أخذ يتغنى بالأهلي ويطالب بتكريمه بمناسبة الحصول على المركز الأخير!!

منهم من قال: أول فريق يحرز أربعة أهداف في بورتو، ولم يذكر أنه أكثر الأندية دخولًا للأهداف في مرماها في تاريخ البطولة!!
أخذ يحتفل بالمركز الرابع في مجموعة من أربع فرق، ويقول: "تمثيل مشرف!!"
أي شرف في حصولك على المركز الأخير؟
وإذا كنت وأنت الأخير جيد وتستحق التكريم، متى تستحق الجلد والعقاب؟!

تناول غريب، وكيل بمكيالين، يجعل من بقلبه ذرة تعاطف مع الأحمر، أن تذوب وتفتت تلك الذرة.

أرى أن المؤثرات الخارجية التي تحيط بالرياضة المصرية هي أكبر عوامل الفرقة والتعصب.
يجب تدخل السادة المسؤولين قبل تفاقم الأمر، يجب الحد من هيمنة الإدارات وتدخلها في الأندية الأخرى.
يجب منح الاتحادات السلطة القوية لاتخاذ قرارات من عصب رأسها، يجب اختيار مناخ إعلامي محايد محترم ينجح في تسويق بطولاتنا (الدوري المصري الآن خارج التصنيف).

إن ما رأيناه من مستوى الهلال السعودي، وهو يواجه ريال مدريد، أقوى فرق العالم، ويهزم السيتي، سيجيب على كل تلك الأسئلة.
عندما تجد مسابقة دوري بها العدل، وعدم محاباة أي فريق على حساب الآخر، يرتفع مستوى الأندية.
إن وجود سيستم منظم وقانون يُطبق على الجميع، يجعل المسابقة تُفرز أندية تفوز على السيتي، وتتعادل مع الريال، لا فرق تحتفل بالمركز الأخير!

خرج من منظومة الدوري السعودي فريق لم يفز بالدوري السعودي، ولكنه فاز باحترام الكل في أمريكا، لا فريق فاز بكل المحافل الداخلية والإقليمية داخليًا، في حين فاز بالمركز الأخير عالميًا!!

من أمثلة هذا العدل أن الهلال كان سيتعاقد مع كريستيانو قبل النصر، ولكن كان موقوف القيد، لم تتغير اللوائح، لم تأتِ ظروف قهرية، لم يتدخل الاتحاد السعودي، تم منع الزعيم من قيد رونالدو الذي ذهب للنصر المنافس المباشر!!
انتصرت اللوائح والقوانين على المحاباة والأهواء، لذا شاهدنا فريقًا متماسكًا أجبر الجميع على احترامه، لا فريقًا مدعومًا بكل شيء، يأخذ كل البطولات "بالعافية"، وعندما يذهب عالميًا يصبح الأكثر هزيمة، والأكثر استقبالًا للأهداف.

هنيئًا لجمهور الزعيم هذا الأداء المشرف في مونديال الأندية، وهنيئًا أيضًا للأحمر المركز الأخير الذي جاء بعد كل تلك الصفقات المدوية.




إغلاق


تعليقات الزوار إن التعليقات الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي وفكر إدارة الموقع، بل يتحمل كاتب التعليق مسؤوليتها كاملاً
أضف تعليقك
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
عنوان التعليق  *
نص التعليق  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
رد على تعليق
الاسم  *
البريد الالكتروني
حقل البريد الالكتروني اختياري، وسيتم عرضه تحت التعليق إذا أضفته
نص الرد  *
يرجى كتابة النص الموجود في الصورة، مع مراعاة الأحرف الكبيرة والصغيرة رموز التحقق
 
اسـتفتــاء الأرشيف

برأيك .. هل ستدخل أمريكا في حرب مع إيران؟