بقلم : إيهاب زكي
قدَّم وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحفي قبيل انعقاد مؤتمر جنيف مفاجأة من العيار الثقيل، حيث تبيّن للقاصي والداني أنه يعرف عادل الجبير، وزير خارجية العائلة المالكة في بلاد الحجازين، فقد نطق اسمه على الملأ، وليس من دليل أوضح من ذلك على أنه يعرفه، وللتأكيد على أنه يقصد ذلك الجبير بعينه وليس آخرين من باب تشابه الأسماء، قال أنه "هو من يردد الكلام التافه أينما حلَّ حتى لو وقف أمام مرآته"، فلم يترك مجالًا للشك أو التخمين بالجبير المقصود، وهذا في المضمون يؤكد على ما قاله الوزير المعلم بأنّ قاطرة بداية النهاية للعدوان على سوريا قد أقلعت، والدليل أنه أصبح لدى المعلم أوقات فراغ يقضيها في الاطلاع بُغية الترفيه فسمع وشاهد وبالتالي عرف الجبير، ولكن بكل الأحوال لا أظن أن وقت الفراغ كان فيه متسعًا لدرجة السماح له بمشاهدة أوبريت ما سمى بـ"رعد الشمال"، الذي يقول عنها إعلام النفط بأنها رسالة حرب لطهران وحلفائها من أجل تحقيق السلام، بعد أن كانت رسالة حرب فقط لسوريا.
لم يُسأل الوزير المعلم عن "رعد الشمال" بشكلٍ مباشر، لكنه سُئل عن قرار الجامعة العربية بتصنيف حزب الله على قائمة الإرهاب، فقال إنه قرار سخيف، ولو سُئل عن تلك المسماة مناورات لقال أنها أشد سخافةً من ذلك القرار. وما يدل على ذلك أنه وقبل المناورات قال إنّ سوريا ستعيد من يعتدي عليها بصناديق خشبية إلى بلاده، وأما بعد المناورات ولشدة سخافتها فقد استبدل الصناديق الخشبية بالأكياس البلاستيكية. وقد عبر الكاتب السعودي جمال خاشقجي عن توصيف تلك المناورات بأنها دليل على أن "المملكة لا تحب المغامرات ولكنها تعشق الحزم"، وهذا يعني أن المملكة لن تغامر بالذهاب إلى سوريا، حيث أننا في المملكة نحرص على ميزانية الدولة السورية الشقيقة، ولا نريد استنزافها ببند جديد على ميزانيتها للأكياس، ولكن إن رضيت أمريكا بقيادة التحالف "الإسلامي" سنحزم أمرنا وأمورنا حزمًا ونذهب دون أي حرص على أي موازنات، وإنصافًا للمعلم فإنّ مفاجأتنا بمعرفته بالجبير لا تقل عن مفاجأتنا بوجود رئيس أركان لجيش سعودي، وهو يدلي بتصريحات أيضًا يستنتج منها إعلام النفط بأنّ "رعد الشمال" قد تكون نواة لـ "ناتو إسلامي"، لم نستفق بعد من مفاجأة وجود جيش سعودي، حتى نتفاجأ بوجود رئيس أركان له.
وبعيدًا عن أوقات فراغ الوزير المعلم، فقد تحدث بما يخص أوقات عمله الرسمي، حيث أنه تحدث عن أكثر من نقطة شغلت الرأي العام في الأسابيع الماضية، فتوجه إلى المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا، طالبًا منه التزام الموضوعية وعدم الخروج عن صلاحياته لإرضاء أطراف معينة، معتبرًا أن الحديث عن انتخابات رئاسية هو شأن سوري خالص، لا يُسمح لأي طرف مهما كانت صفته أن يتدخل به ولو بمجرد إبداء الرأي، وأضاف بأن المبعوث الأممي إن أراد النجاح فهذه هي الوصفة، وأن الرئيس الأسد خط أحمر، أي أنه خارج أي نقاش أو تفاوض، وأن جنيف من وجهة نظر الدولة السورية هو للبحث في دستورٍ جديد وحكومة وحدة وطنية حصرًا، وأن من يظن بأن جنيف هو لتسليم السلطة وبالتالي تسليم سوريا للمحور الأمريكي الصهيوني تحت يافطة هيئة انتقالية أو مرحلة انتقالية فهو واهم، فيما كان التلويح بعد الانتظار أكثر من 24 ساعة تعبيرًا واضحًا عن القوة، وعن الإمساك بأوراق اللعبة السياسية وأن طرفها ومنتهاها هو في اليد السورية، كما أن الميدان هو طوع بنان الجيش السوري، ومن أراد المجيء إلى جنيف لاستلام السلطة فليوفر على مموليه ثمن تذاكر السفر.
وبعد أن وضع المعلم خطوط الدولة السورية الحمراء نحو جنيف، لامس خطًا أحمر آخر، حيث كثر الحديث في الآونة الأخيرة عما سمي بـ"الفدرالية السورية"، حيث أبدى المعلم حرصه على طموحات المكون الكردي في إطار الجمهورية العربية السورية، وقال "أنهم لن يكونوا إلّا راضين"، وبما أنه قال "أنا لا أوجه رسائل"، بمعنى أن المواقف واضحة ولا لبس فيها، فلن أعتبر أن كلامه رسائل لأحد، ولكن استنتاجًا فإنه يؤكد على عدة نقاط، منها أن الجغرافيا السورية غير قابلة للتجزئة والاقتطاع حد الاستحالة، وأن كل من يسعى إلى ذلك سيصبح عدوًا لسوريا حتى لو كان سوريًا، وأن على الأكراد محاربة الإرهاب في إطار الرؤية السورية الشاملة لا في إطار "فرصة وهم" الدولة الكردية الضيقة، وأن يستغلوا سوريتهم للحد الأقصى للحصول على الحد الأقصى من حقوقهم، لا أن يستغلوا سوريتنا للحصول على كرديتهم، كما أن روسيا لا تستطيع المفاضلة فضلًا عن المقايضة بين الدولة السورية وحلفائها وبين دولة كردية، وأخيرًا قال المعلم لأوباما، بأنّ حلفاءك لا يساوون فرنك، حيث ينطبق هنا قول الشاعر العباسي، واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخرًا إنَّ القريـنَ إلى المُقارنِ يُنسبُ.