في أواخر القرن التاسع عشر ، ظهرت في المنتديات السياسية الدولية الخارجية مصطلحان هامان جداً : "
المسألة الشرقية" و " الرجل المريض " و يقصد بهما الدولة العثمانية التي كانت في القرن السادس عشر
أكبر امبراطورية في العالم ...
و سبب ظهور هاتين الجملتين ، هو بدء ضعف الدولة العثمانية ، و اطماع الدول الاستعمارية القديمة و
الناشئة ، في الحصول على امتيازات في هذه الدولة ، بل استعمار بعض أجزائها .
ورث السلطان عبد الحميد الثاني هذه الدولة 1876-1908 م لإدارتها ، بل لحمايتها و الحفاظ عليها من
الطامعين ، وكانت مهمة صعبة ، وخاصة أطماع اليهود في فلسطين ، و لازال المؤرخون مختلفين على
هذه الناحية .
كان الصراع على الحفاظ على هذه الدولة كبيراً ، و التحاقها بركب الحداثة كبيراً أيضاً ولابد من تطويرها
و خاصة مد السكك الحديدية بعد ان انتهى دور القوافل و الجمال .
في تلك الفترة برزت الدولة الألمانية بعد قيام الاتحاد الألماني القوي في عام 1870 م ، ولابد لهذه الدولة ان
تفتش عن مشاريع تقوم بها ، و موقفاً دولياً ، ينقلها إلى مصافي الدول العظمى ، و رأت في الدولة العثمانية
مجالاً لذلك ، كما راى السلطان عبد الحميد الثاني ضرورة إيجاد حليف أو حلفاء يقفون إلى جانبه أمام
الاطماع ، و هكذا تلاقى الطرفان العثماني و الالماني .
في خريف عام 1898 م قام الامبراطور غليوم الثاني لزيارة الشرق لمدة شهر تقريباً بداية من تركيا و
انتهاء بفلسطين ، و كانت هذه الزيارة ذات بعد سياسي بلقائه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني و إبراز
دعم الامبراطورية الألمانية للسلطنة العثمانية عسكرياً و دبلوماسياً و اقتصادياً .
تميزت زيارة الامبراطور بزيارة دمشق و مبانيها و ضريح صلاح الدين ، ولا ندري إلى اليوم ، إن كانت
زيارة مدينة حلب ضمن برنامجه أم لا ، لكننا نعرف أنه لم يزرها ، رغم أنها استعدت لاستقبال هذا العاهل
الألماني ، ولتظهر بداية حداثتها ، أمر السلطان بناء برج ساعة باب الفرج أو منارة حلب ، ووضع حجر
الأساس في الخامس عشر من ربيع الاول 1316هـ 1848 م و اختير مكانها في ساحة بالقرب من أسوارها
، وبُدِئَ في بنائها على أنقاض قسطل السلطان سليمان خان (بني على شاكلته بناء حديث أمام صيدلية
الاستقامة ) تمّ بناء هذا البرج بإشراف مهندس بلدية حلب شارل شارتييه ، وشارك المهندس بكر صدقي .
تميز هذا البناء من أربع واجهات و قاعدة واسعة وتعلو جدرانه بشكل مائل نحو الداخل ، زُيِّن بمقرصنات ،
و النجوم الشرقية المنتشرة في حلب وهي سداسية الشكل ( يعود اول رسم لها إلى الألف الرابع قبل الميلاد
) و قبة عليا رائعة في القسم قبل الأخير من هذا البناء فتحات دائرية في كل واجهة من الواجهات الأربع
وضعت فيها ساعات دقاقة وجهان للتوقيت الشمسي و وجهان للتوقيت الغربي و ترى الساعات من بعيد و
تعلن عدد الساعات لاول مرة تقريباً و يعطى للوقت أهميته ، ولا يبقى متعلقاً بالشمس و الصلاة ولكن
يتساءل الحلبيون هل ستعمل هذه الساعة ، و أنا أعلم أن اختصاصياً عرض على مجلس المدينة تشغيلها ....
د. محمود حريتاني
حلب 11/3/2012