إنه الزلزال …زلزل الأرض وماعليها ،هدم بيوتا على من فيها ، من لم يستطع النجاة قضى نحبه ، فخطف الموت أسرا بكاملها ،وتشرّد أطفال وعجائز في عتمة ليل قارس ، أصابت الزلزلة منشآت وصدّعت مدارس ، …لكنّها طالت المشاعر ، فحرّكتها ، بهزّة وجدانيّة ، لابل بهزّات ارتداديّة ، وإن متفاوتة الأثر ، تتالت دوائرها إلى غير ساحة ومجتمع ، حتى عبر بعضها المحيط ، بردات فعل بعضها جاء قليلا أو خجولا ..
لم يكن السوريون ينقصهم ، مايكدّر حياتهم وينغصّها ،حين داهمهم فجرا ماقذف بهم ،وعلى حين غرّة خارج أسرّتهم ، وبيوتهم مذعورين إلى الشوارع في غير محافظة ومنطقة على طرفي حدود سوريّة وتركية . فهام الآلاف على وجوههم ، وسط صراخ أو عويل و أنين ..بفعل نائبة كارثيّة بكل مافي الكلمة من معنى …
ألم تكن تكفي السوريين ،تداعيات حرب إرهابيّة ،وما طالته من بشر وحجر ؟! على مدى 12 عاما ،وحصار طال لقمة العيش وأساسيات الحياة من دواء وغذاء ووقود !
لكنها المحنة تكشف معدن الرجال ، وفي الشدائد تمتحن معادن المحبين ، كما يقال ، لقد دمّر الزلزال البيوت ، لكنّه فجّر ينابيع من محبّة ،وتكافل ،بل من حماس تضامني ، تبدّت روعته ،وعلى نحو عاجل ، من آلاف المتطوعين ، غير المبادرين والمتبرّعين ، أفرادا ومنظمات ،من غير محافظة أو منطقة ، ومن غير معتقد ودين ، وتجلت روعة ذلك في المغتربات أيضا ، روعة فاح عبقها من يراع الشاعرة كوثر دحدل :
((علّموا الكون كيف يسنّ قانون البشرية؟!
كيف يكون الإنسان لأخيه الإنسان؟!
يا أوائل الأبجدية…
كنتم بخور المعابد ….
وياسمينكم سيبقى عطر العالم )) .
الهزة الوجدانية اتسعت إلى الساحة العربيّة فالدولية ، وإن جاء بعضها بعد حين …وليس صوت النجمة العالمية ،،أنجلينا جولي ،، التضامني ، ومبادرتها العملية تبرّعا ، سوى مثال لما سبقه أو تلاه، هذا ديفيد هيرست وفي مقاله بـ ميدل إيست أي " يقول ((إن الزلزال وفّر للغرب فرصة ليظهر أنه قادر على إعادة البناء مثل قدرته على التدمير….)) لكنه مشغول بالحرب في أوكرانيا .
الضحايا والمصابون والمتضررون بالآلاف ، وليت العداد يتوقّف ،المشافي ومراكز الإيواء تغصّ بهم ، ولايخفى أن التعامل مع تداعيات هكذا كارثة ، خارج طاقة أي دولة بمفردها ، مهما ملكت من قدرات ، ولوكانت معافاة ، فكيف لسورية وقد أتت الحرب على كثير من قدراتها وإمكاناتها ، ولاسيما الآليات والمعدات الطبية ..ووسائل الإنقاذ .
لافتة هي هبّة الإغاثة والتعاضد وطنيا وإنسانيا ، كما مشاعر التعاطف والمبادرات من أفراد وجمعيات ودول، وإن كانت التزاما بقيم سامية ، حيث لا مجال لشماتة ، ولا وقت ل (حساب أو عقاب )…شرائع السماء ، كلّها توجب مساعدة المنكوبين ، فماذا عن شرائع الأرض ؟! …